إسرائيل والسلطة الفلسطينية تواصلان تجفيف منابع حماس المالية

  • الثلاثاء 11 يونيو 2019 03:24 م

إسرائيل والسلطة الفلسطينية تواصلان تجفيف منابع حماس المالية

كشفت إسرائيل أن السنوات الأخيرة تشهد زيادة في الأموال التي تصادرها من أفراد حماس في الضفة الغربية، حيث تصلها هذه الأموال من غزة والخارج، وتذهب لدعم منفذي العمليات المسلحة، وعائلات الأسرى، وإقامة بنى تحتية للحركة، فيما أجرى الجناح العسكري لحماس تغييرات في آلية جمع التبرعات المالية عبر عملة البتكوين، وأعلنت أنها تواجه مشكلة بتوفير الأموال؛بسبب سياسة أمريكية غربية إسرائيلية، لتجفيف ينابيع دعمها.

 

السطور التالية تناقش الحصار المالي على حماس، ويتعرف على محاولاتها لتجاوزه، وهل باتت مستعصية دون حلول؛ وما الآلية الجديدة التي وضعتها لإيصال الأموال بعيدا عن أي رقابة أمنية إسرائيلية وأمريكية وفلسطينية.

 

كان مفاجئا أن يقر رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس خالد مشعل بوجود أزمة مالية تعاني منها حركته، مؤكدا بوجود سياسة أمريكية غربية إسرائيلية، لتجفيف ينابيع الدعم عن حماس؛ كطريق لكسرها وإضعافها في سياق تطويع المنطقة لصفقة القرن، داعياً لدعم المقاومة بالمال.

 

فيما كشفت وكالة رويترز أن حماس تستخدم أساليب معقدة لجمع المال عبر عملة "البتكوين"، مما يلقي الضوء على الصعوبات التي تواجه السلطات الإسرائيلية والأمريكية في تتبع تمويل العملات المشفرة لحماس، بعد أن دعت كتائب عز الدين القسام الذراع العسكري لحماس للتبرع باستخدام العملة الرقمية.

 

تكشف المعلومات أن حماس أجرت تغييرات على هذه الآلية، حيث أنشأ الموقع الالكتروني لجناحها العسكري محفظة رقمية جديدة لكل معاملة، مما يجعل رصد الشركات في أنحاء العالم لتمويل حماس من العملات المشفرة أكثر صعوبة، فوجود محفظة مختلفة لكل تبرع يجعل الملاحقة والمتابعة أكثر تعقيدا.

 

بالتزامن مع هذه الأحداث، تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن تطور في وسائل تهريب الأموال لحماس، وتحولها أكثر ذكاءً عبر شركات وجمعيات وحسابات وهمية في البنوك، واستخدام تطبيقات الهواتف الذكية للقيام بحوالات بنكية دون الحاجة لوصول البنوك.

 

ووثّق جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" منذ بداية العام مصادرة مليون شيكل، الدولار 3.6 شواكل ، تابعة لنشطاء حماس، عبر تنفيذ الجيش الإسرائيلي لأكثر من 40 عملية ضد أموال حماس المرسلة من غزة وخارج الأراضي الفلسطينية للحركة بالضفة الغربية، الأمر الذي يكشف عن حجم الحرب التي تخوضها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية خلف قنوات تهريب الأموال التي تشغلها حماس بين حين وآخر.

 

تزعم إسرائيل أن تجارا فلسطينيين يقومون بشراء بضائع من الخارج، وتدفع ثمنها قيادة حماس المقيمة في الدول الإقليمية المحيطة، في حين أن التجار الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة الذين يشترون هذه البضائع المصدرة من الخارج يدفعون أموالها لحماس في الداخل.

 

هذه الوسيلة الجديدة لحماس شكلت صداع رأس مزمن لدى المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وهي تراقب آلاف الشاحنات المحملة بالبضائع، وتجد طريقها سنويا لقطاع غزة والضفة الغربية، لأن حيزا كبيرا من هذه الأموال تصل للمؤسسات التنظيمية لحماس، وليس فقط للمستوردين والمصدرين الذين يشكل معظمهم واجهة مدنية للأنشطة المالية لحماس، من خلال عمليات غسيل الأموال، لزيادة مقدراتها المالية.

 

إن الحرب الإسرائيلية على مصادر تمويل حماس لا تتوقف، ففي الماضي كانت الحركة ترسل الأموال للضفة الغربية بعشرات ملايين الدولارات عبر نشطاء "الدعوة" من خلال جمعيات الزكاة والمؤسسات الإغاثية، وفي سنوات لاحقة، تدعي أوساط الأمن الإسرائيلي تم إنشاء اتحاد المؤسسات الخيرية بمشاركة خمسين صندوقا إسلاميا من دول الخليج العربي وأوروبا والولايات المتحدة وتركيا، التي نقلت بدورها مئات ملايين الدولارات لمؤسسات حماس في الضفة الغربية وقطاع غزة، من خلال الشركات التجارية والوسطاء الماليين والبنوك.

 

لغة الأرقام الإسرائيلية تكشف أنه بين عام وآخر تزداد قيمة المبالغ المالية التي ترسلها حماس للضفة الغربية، ففي 2016 صادرت المخابرات الإسرائيلية 1.8 مليون شيكل، وفي 2017 و2018 تم مصادرة 2.2 مليون شيكل في كل عام، وحتى نهاية مارس 2019 تم مصادرة 450 ألف شيكل.

 

وفيما شهد العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة أوائل مايو اغتيال حامد الخضري، أحد كوادر حماس الذي يعمل في مجال التحويلات المالية ومكاتب الصرافة، فقد اتهمته إسرائيل بأنه شريان حماس المالي من الخارج إلى الداخل.

 

كما قرر وزير الحرب الإسرائيليّ السابق أفيغدور ليبرمان اعتبار شركة "حامد للصرافة"، التي يديرها الخضري، منظّمة إرهابيّة، بزعم أنّها أنبوب تمويل لحماس، وهذا يعني أن ملاحقة الأموال الواصلة إلى حماس أولويّة إسرائيليّة، ولذلك، فإنّ إسرائيل لا تحارب من صنع الصاروخ فقط، وإنّما من دفع ثمنه.

 

وفي التصعيد الذي شهده مارس، قصفت إسرائيل مبنى شركة "الملتزم للتأمين والاستثمار" بمدينة غزّة، وهي إحدى المؤسّسات الاقتصاديّة التي تأسّست في غزّة بعد سيطرة حماس عليها صيف 2007، وشكّلت أحد روافد البنيّة الاقتصاديّة للقطاع، التي تعاني تراجعا تدريجيا منذ فرض الحصار الإسرائيلي على القطاع.

 

فيما قصف الطيران الإسرائيليّ في حربيّ 2012 و2014 على غزّة مقارّ البنك الوطنيّ الإسلاميّ وفي عام 2010، قصفت شركة البرعصي للحوالات الماليّة بغزّة، وتكرّر في عدوانات 2008و2007، كل ذلك يعني أن إسرائيل باستهدافها لهذه المؤسسات والشركات في غزة قد تؤثر سلبا في مقدرات حماس الاقتصادية، حتى لو لم تكن للحركة علاقة مباشرة بها.

 

بالتوازي مع ما تقوم به إسرائيل ضد قنوات حماس المالية، تواصل السلطة الفلسطينيّة إجراءاتها في ذات السياق، عبر تحذير سلطة النقد الفلسطينية لشركات الصرافة في غزّة، بأنها تنوي إنهاء عملها أو تقليصها، بجانب إغلاق الحسابات البنكية لجمعيات الأيتام التي تكفل 40 ألف يتيم.

 

تصل الأموال إلى غزّة بالعادة عبر الحوالات اليدويّة التي لا تدخل النظام المصرفيّ، لأن كوادر التنظيمات الفلسطينية لا يستطيعون فتح حسابات بنكية لحظرهم من الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية، مع أن إجراءات سلطة النقد الفلسطينيّة ضد هذه الشركات المصرفية ستترك آثارها السلبيّة على ألفين من موظّفيها، وآلاف المستفيدين منها، حيث يبلغ المتوسّط الشهريّ للشركة 5 آلاف حوالة بملايين الدولارات.

 

تعمل شركات الصرافة في غزّة في نقل الأموال منها وإليها بصورة سلسة، لكنّ سنوات ما بعد سيطرة حماس على غزّة في عام 2007 شهدت المزيد من الشروط على من يرسل أموالاً عبرها أو يحصل عليها، فحين يأتي زبون لديه حوالة، تطلب منه الشركة بطاقته الشخصيّة، رقم جوّاله، والجهة المرسلة، وطبيعة العلاقة بينهما: قرابة أو زمالة أو عمل.

 

وصادقت السلطة الفلسطينيّة على استراتيجيّة مكافحة تمويل الإرهاب، لمعرفة أسباب انتقال الأموال بين البنوك، وتحديد مصدرها والمستفيدة منها، وأكّدت الخارجيّة الأميركيّة أنّ السلطة تواصل جهودها لمكافحة الإرهاب، ومحاكمات تمويله، وتجريم دعمه الماليّ، وأعلنت الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة اكتشاف خلايا ماليّة بتوجيهات من غزّة والخارج، تحوّل أموالاً إلى حماس في الضفة الغربية بعشرات آلاف الشواقل.

 

تخضع شركات تحويل الأموال لرقابة مشدّدة ومزدوجة من الأمنين الإسرائيليّ والفلسطينيّ، فهناك الدائرة الاقتصاديّة في جهازي الأمن الوقائيّ والمخابرات الفلسطينيّين، التي تفرض تدقيقاً على الحوالات الماليّة كافّة التي تزيد في بعض المناطق عن آلاف الدولارات، للتحقّق من مصدرها، وحاجتها إلى موافقة أمنيّة قبل صرفها.

 

ومنذ 2015 توجد مشكلة قائمة بين الجمعيّات الخيريّة الفلسطينيّة والسلطة الفلسطينيّة، تتمثّل باحتجاز البنوك الفلسطينيّة للحوالات الماليّة الواردة لهذه الجمعيّات، وعدم صرفها، بزعم تبعيتها لحماس، واستفادتها من هذه الأموال، حيث ترفض بعض البنوك الفلسطينية رفض تسليم الجمعيّات حوالات ماليّة قادمة من الجهّات المانحة، بسبب تعليمات أمنيّة وصلتها من السلطة، لأنّها تريد أن تعاقب غزّة والمؤسّسات الخيريّة فيها، لاعتبارات سياسيّة.

 

أثرت هذه الإجراءات من السلطة على المؤسسات الخيرية سلبياً، فلم تعد قادرة على توفير خدماتها المعتادة، وتسبّبت بوقف عشرات آلاف كفالات الأيتام والفقراء والمرضى والمعاقين، بملايين الدولارات شهريّاً، وتضرّر مدارس للأيتام والمعاقين، ومراكز صحيّة يتردّد عليها نصف مليون مريض سنويّاً، وحرمان آلاف الطلاب الجامعيّين من المساعدات النقديّة.

 

يعتبر المال، الأساس القويّ الذي تبني حماس عليه خططها الحكوميّة والأمنيّة والعسكريّة، ولذلك، تضع إسرائيل والسلطة الفلسطينية على رأس أهدافهما محاربة الجبهة الاقتصاديّة للحركة، وتجلّى ذلك بدءاً بحصارها الماليّ والاقتصاديّ في غزّة، مروراً بتجييش المجتمع الدوليّ ضدّها عبر تحريض البنوك الفلسطينية عليها، وإجبارها على رفض استلام الأموال من حماس، أو تحويلها إليها، وملاحقة شركات التحويلات الماليّة، وتجفيف منابع المؤسّسات الخيريّة القريبة منها، وانتهاء بالقصف المباشر للشركات الماليّة والمصرفيّة التابعة لها.

 

وإنّ مراجعة استهدافات إسرائيل والسلطة للقطاعات الماليّة والاقتصاديّة التابعة لحماس، تعني أنّهما لا تريدان أيّ هامش ماليّ واقتصاديّ يمكّن الحركة من تطوير مقدّراتها الاجتماعيّة والأمنيّة والعسكريّة، كما تعتبران أنّ الضغط الاقتصاديّ والماليّ المباشر على حماس يشكّل وسيلة قويّة لإخضاعها بهدف منعها من تحقيق مكاسب سياسيّة وأمنيّة وعسكريّة وميدانيّة.

 

المصدر Middle East Monitor

https://www.middleeastmonitor.com
/20190611-israel-and-the-pa-continue-to-drain-hamass-financial-sources/?fbclid=IwAR3-0UsQ5Y_Up7MM7-hcaZLaf-kFRgCURUwKt30U9TniheLxlnJPhBTFZlc