الإعــلام الإسـرائـيـلـي وانـتـفـاضـة الأقـصـى
الانحياز الفاضح والعداء الصارخ
دراسة في الأداء الإعلامي الإسرائيلي لأحداث انتفاضة الأقصى
خطة الدراسة
- مقدمة
الفصل الأول : الخارطة الإعلامية في إسرائيل
- التطور التاريخي للإعلام الإسرائيلي
- وظيفة الإعلام الإسرائيلي
- أدوات الإعلام الإسرائيلي ( المرئي والمسموع والمكتوب )
- أجهزة الإعلام الحكومي
الفصل الثاني : تعامل وسائل الإعلام مع الانتفاضة
- توصيف الانتفاضة وتشخيص أحداثها
- الرقابة العسكرية على وسائل الإعلام
- التحريض على الفلسطينيين
- تبرير سياسة الاغتيالات
- تغييب الرواية الفلسطينية في الأحداث
- تصوير الفلسطينيين وكأنهم مجرد أرقام
- استهداف الصحافيين الفلسطينيين والأجانب
- انتهاج سياسة لوم الضحية الفلسطيني
- تسويق الأكاذيب
- الإعلام وعرب48
الفصل الثالث : ظواهر إعلامية في الإعلام الإسرائيلي
- الخلفية الأمنية والعسكرية للمراسلين
- التنافس في استعداء الفلسطينيين
- استثناء لا بد منه
- نتائج الدراسة
- مقدمة :
شملت تأثيرات انتفاضة الأقصى مختلف الجوانب والمجالات داخل المجتمع الإسرائيلي ، بدءا بالجانبين السياسي والعسكري ، مرورا بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية ، وانتهاء بالمجالات الإعلامية والتربوية .
وقد شكل التأثير الإعلامي محورا هاما في مجمل تلك التأثيرات ، للكثير من الاعتبارات ، لعل أهمها أن تأثيراته تبدو للعيان بصورة مباشرة ، وعلى الفور ، وبالتالي يتمكن المرء من رصدها ومتابعتها يوما بيوم ولحظة بلحظة .
وتأتي هذه الدراسة لرصد أهم المؤشرات التي شملها التأثير الإعلامي للانتفاضة على مجمل الأداء الإعلامي الإسرائيلي ، لاسيما ما تعلق منها بالنظر إلى الانتفاضة وتشخيص أحداثها ، والتركيز على الوظيفة " القومية " التي أداها الإعلام الإسرائيلي ، عبر الاصطفاف المنقطع النظير خلف المؤسستين العسكرية والسياسية ، لدرجة غاب فيها الخط الأبيض عن الخط الأسود ، وأصبح من الصعوبة بمكان التفريق بين الناطق العسكري للجيش وبين المراسل العسكري .
وقد اعتمدت الدراسة في معظم أجزائها على المتابعة اليومية واللحظية لوسائل الإعلام الإسرائيلية ( المرئية والمسموعة والمكتوبة ) ، حتى تخرج معبرة حقيقة عن الأداء الإعلامي لها بشكل مباشر واضح .
آمل أن تقدم الدراسة عرضا جليا لهذا المحور المهم من محاور تأثيرات انتفاضة الأقصى على المجتمع الإسرائيلي ، وصولا إلى فهم وإدراك طبيعة الإعلام فيه ، والإطلاع -ولو قليلا - على آلية أداء الإعلام في ( زمن الحروب الإسرائيلية ) !
- التطور التاريخي للإعلام الإسرائيلي :
نشأت الصحافة الإسرائيلية قبل قيام الدولة العبرية ، وبدأت عملها إلى جانب القيادة اليهودية التي قادت نشاط الفصائل العسكرية والسياسية ، وعند إعلان الدولة في العام 1948 ، كانت أول خطوة قامت بها حكومة دافيد بن غوريون تحويل إذاعة صوت القدس إلى إذاعة إسرائيل ، وأفرزت في تلك الفترة ما عرف بـ( هيئة رؤساء تحرير الصحف ) التي انضوى تحت لوائها رؤساء تحرير الصحف الحزبية والمستقلة والسرية التي كانت تصدر في حينه ، وواصلت هذه الهيئة عملها بعد عام 1948 ، ويعتقد أنها جزء من جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد ) ، لأن استمرارها يؤكد على أهمية دورها المعروف والمحدد والذي يحول دون إنهائها ، وشكلت الهيئة دورا أشبه ما يكون بالرقيب على الصحافة الإسرائيلية نفسها ، بمحض إرادتها لخدمة مصالح السلطة،وهذا يبرز التناقض في حرية الصحافة والتعبير في أي مجتمع ديمقراطي . وتتمثل آلية عمل الهيئة في تلقي المعلومات من كبار المسئولين ، كرئيس الحكومة ورؤساء الأجهزة الأمنية ، وضباط الجيش ، حول ما لا يراد نشره بالدرجة الأولى ، كأن يتم إطلاعهم على وقوع حادث معين ، أو قرار ، بحيث يتحاشون الإشارة إليه من قريب أو بعيد .[1]
وتتعرض هذه الهيئة اليوم لانتقادات شديدة ، وتعتبر ظاهرة غير مستحبة في الإعلام الإسرائيلي لأنها تشكل قوة ضاغطة تحول دون حرية التعبير ، ويؤمن معارضوها بأن نشوءها كان لخدمة المصالح الصهيونية ، وإخفاء الأسرار وتحركات المنظمات العسكرية ، وقد تلاشى هذا الدور الآن .
-
- وظيفة الإعلام الإسرائيلي :
يكاد يكون من المستحيل إدراك أبعاد العمل الإعلامي الإسرائيلي دون فهم الأهداف القومية الإسرائيلية العامة ، وكذلك ما يتفرع عنها من أهداف خاصة في القارات والأقطار المختلفة ، والتلازم الكامل القائم بين العمل الإعلامي الإسرائيلي وتلك الأهداف ، وقد حدد البند الثالث من قانون الإذاعة والتلفزيون الذي وافق عليه الكنيست الإسرائيلي في آذار 1965 ، وظيفة الإذاعة والتلفزيون كالتالي ، وهي ذات الوظيفة التي تنطبق على باقي وسائل الإعلام بشكل أو بآخر :
- بث البرامج التعليمية والتسلية والمعلومات في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية والفنية ، بحيث تهدف إلى :
- إبراز طابع الكيان اليهودي ونضاله وإبداعه وإنجازاته .
- تنمية الصلة بالتقاليد اليهودية وتعميق معرفتها .
- إبراز نمط حياة وثقافة الجماعات اليهودية في العالم .
- بث برامج باللغة العربية لخدمة الجمهور المتحدث باللغة العربية ، تمهيدا لأرضية التفاهم المستقبلي مع الدول المجاورة،حسب الأهداف الأساسية للدولة .
- بث برامج موجهة ليهود الشتات ،وبرامج خارج حدود الدولة .[2]
وقد نظر الإعلام الإسرائيلي إلى الصراع العربي الإسرائيلي منذ بداياته الأولى وحتى انطلاق انتفاضة الأقصى ، من منظار الأمن ، وكثيرا ما كان يكتفي بما تمليه عليه السلطة والأجهزة الأمنية من معلومات ، مستخدمة في ذلك التضليل في المعلومات ، كما سيأتي معنا لاحقا .
وقد انتهج الإعلام الإسرائيلي منذ بداية الصراع ، مبادئ أساسية في حديثه وتغطيته لأحداث الصراع ، وهي :
- اللمسة الإنسانية ، من حيث ذكر الآباء والأطفال اليهود ، مما يضفي الطابع الإنساني والشخصي على ( الإرهاب الفلسطيني)الذي تواجهه إسرائيل كل يوم .
- السؤال البلاغي ، حتى المؤيدون للفلسطينيين يواجهون صعوبة في الإجابة عن الأسئلة الموجهة إليهم ، حيث انتهج المتحدثون الإعلاميون الإسرائيليون طرح المزيد من الأسئلة البلاغية غير القابلة للإجابة كجزء من جهودهم الإعلامية .
- الاعتراف بوجود ثقافي بين الإسرائيليين والفلسطينيين ، لكي يجد الغربيون أنفسهم قريبين من الإسرائيليين ، نظرا لاشتراكهم في الثقافة نفسها معهم،وكذلك التقاليد والقيم .[3]
وقد رأى المحررون في وسائل الإعلام الإسرائيلية أن التعددية الفكرية والاختلافات الأيدلوجية بينهم ، يجب أن لا تشكل عائقا أمام تجنيد وسائل الإعلام بشكل تام ، لخدمة الهدف الاستراتيجي الأعلى ، وهو تجسيد مشروع الوطن القومي اليهودي في فلسطين ، وبالتالي فإن المتمعن في تناول هذه الوسائل منذ نشأتها يرى أن النظرة لطرف الصراع الآخر (الشعب العربي الفلسطيني) لم تكن تختلف بين التيارات الفكرية والعقائدية المتصارعة اختلافا جديرا بالانتباه والتسجيل.[4]
- أدوات الإعلام الإسرائيلي :
يوجد في إسرائيل سلطة البث الرسمي ، التي تؤطر في داخلها الإذاعة والتلفزيون باللغتين العربية والعبرية ، ويشرف عليها هيئة مكونة من برلمان مؤلف من 31 عضوا ، ثلاثون منهم معينون من قبل الحكومة ورئيس الدولة ، وهم يمثلون الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة والشخصيات العامة ، أما العضو الحادي والثلاثين فتعينه الوكالة اليهودية ، وتهدف هذه اللجنة إلى اختيار اللجنة التنفيذية المؤلفة من سبعة أعضاء ، وهم يمثلون أيضا التيارات السياسية المختلفة ، لأن وجود هذه التيارات المتصارعة في هذا الإطار تساعد على خلق توازن بين الضغوطات السياسية التي تمارس على العاملين في وسائل الإعلام الرسمية ، ثم تكلف الحكومة أحد الإعلاميين المتخصصين المهنيين وذوي الخبرة ، لتبوأ منصب المدير العام للهيئة ، ومدة خدمة الهيئة ثلاث سنوات غير قابلة للتجديد ، والهدف من تحديد المدة منح الإذاعة والتلفزيون قسطا كبيرا من حرية عرض مختلف الآراء والاتجاهات .[5]
وتتلخص وظائفها بوضع الاتجاه العام لبرامج البث التي تقوم بها الإذاعة والتلفزيون باللغتين العبرية والعربية .
-
- الإعلام الإسرائيلي الناطق باللغة العربية :
تعتبر الحرب النفسية هجوما عدائيا مبرمجا يستهدف التأثير على عقليات الأفراد ونفسياتهم ومعتقداتهم ، كي يصيبهم الوهن والإحباط والتفكك والاضطراب ، ومن ثم تحويل وجهتها بصورة مخالفة لأهدافها ومصالحها ، وهذه العملية تتميز بأنها مفاجئة سريعة هادئة تعتمد على الاستدراج البطيء والغفلة والسذاجة ، وتتخذ هذه الحرب طرقا ووسائل عديدة في تحقيق الأهداف بصورة مرحلية ، بدايتها تنحدر بالفوضى والدمار البطيء ، ومن ثم التمزيق والتفتت بمعنى ( فرق تسد ) ، عبر إثارة الإشاعات والبلاغات الكاذبة والدعايات في صفوف الجماهير وإثارة الفتن ، بهدف غرس الخوف والرعب والتمزق في نفوس الأفراد من جهة ، وهز ثقتهم بقياداتهم من جهة أخرى ، وقد أصبح بمقدور الحرب النفسية عبر التكنولوجيا المتطورة ، أن تسلك أساليب علمية وحاذقة للتأثير على نفسيات الأفراد والتشكيك بأفكارهم وقدراتهم .
وقد أوكل إلى التلفزيون والإذاعة الإسرائيليتين الناطقين باللغة العربية مهمة الإدمان على شن حرب نفسية لا هوادة فيها ، على المستمعين والمشاهدين العرب على امتداد الوطن العربي والشعب الفلسطيني بشكل خاص ، والتأثير بشكل واضح ومقصود على الروح المعنوية والحالة النفسية السياسية لأبناء الشعب الفلسطيني سواء داخل المناطق المحتلة أم خارجها ، وبالتالي يهدف هذا الإعلام إلى التأثير وتشويش وتشويه المعلومات ، وهز الثقة بالنفس لدى الجماهير العربية عامة والفلسطينية خاصة .[6]
ولا ننسى أن هذه الإذاعة كانت السباقة إلى التأثير السلبي على نفسية الفلسطينيين ، ومن ذلك :
رفع الأعلام البيضاء خلال حرب 1967
بيانات قف وفكر ، وترويج شائعات مقتل عدد من القيادات الفلسطينية في حرب 1982
الترويج لمقولة الجيش الذي لا يقهر
ويمكننا الحديث بالتفصيل عن الإعلام الإسرائيلي الناطق باللغة العربية من خلال :
- الإذاعة الإسرائيلية :
يتواجد مقر الإذاعة الإسرائيلية باللغة العربية في مدينة القدس ، وكانت تبث يوميا ، ولكن لفترات قصيرة ، ثم نقلت الإذاعة بعد ذلك إلى مقرها الجديد في تل أبيب ، ثم عادت مرة أخرى إلى القدس عام 1954 ، وبعد العدوان الثلاثي عام 1956 ، أفرد للبث العربي موجة خاصة به ، وأصبح يبث لمدة سبع ساعات يوميا ، وبعد حرب العام 1967 أصبحت مدة البث اليومية 14 ساعة ، وافي العام 1971 تم تقوية البث ، إذ جرى تشغيل أجهزة الإرسال الجديدة على الموجة المتوسطة التي تبلغ قوتها 600 كيلووات ، وهي تسمع بوضوح على مسافة ألفي كيلومتر ، أما الآن فقد وصلت ساعات البث 18 ساعة يوميا من الساعة السادسة صباحا وحتى الثانية عشر ليلا ، تتضمن 15 نشرة إخبارية ، وثلاث برامج إخبارية مطولة .
هناك ملاحظات عامة على الإذاعة الإسرائيلية الناطقة باللغة العربية ، ومنها :
- تخضع الإذاعة بشكل مباشر وإلى حد كبير لجهاز المخابرات الإسرائيلية ، حيث تدار منذ إقامة الدولة عام 1948 وحتى عام 1965 من داخل ديوان رئيس الوزراء ، ولا تزال تعتبر إذاعة ذات مدلولات أمنية ، فهي مرتبطة وموجهة للمحيط الشعبي العربي الهائل ، ويحتل العامل الأمني مركز الصدارة والأهمية القصوى في تعامل الحكومة معها .[7]
- تقوم برامج الإذاعة بترسيخ آراء مختلفة ومشوشة في نفوس الجمهور العربي ، وخصوصا الفلسطيني الذي ظل مكشوفا وإلى حد كبير لوسائل الإعلام الإسرائيلية ، ولم يكن هناك أية وسائل عربية أو فلسطينية قادرة على التصدي ومقاومة هذا التأثير.[8]
- لفترة طويلة من الزمن ، حظيت الإذاعة باستقطاب اهتمام عدد لا يستهان به من المستمعين العرب والفلسطينيين ، لأسباب عديدة لعل أهمها تلك الفجوة وعدم الثقة بين المستمع الفلسطيني والعربي والإذاعات المحلية .
- استخدمت الإذاعة في إطار برامج قد تبدو ساذجة للوهلة الأولى ، ولكنها استغلت من قبل المخابرات الإسرائيلية كمصدر للمعلومات السياسية والأمنية والمخابراتية المعقدة ، وقد ذهبت ( الشاباك والموساد ) بعيدا في توظيف هذه الإذاعة ، لتكون أدوات طيعة في عملها في مجال إسقاط الفلسطينيين والعرب ودفعهم للعمل لصالحها ، ومن ذلك :
- برنامج ( سلامات ) حيث تمكنت المخابرات الإسرائيلية من خلاله معرفة أماكن تواجد اللاجئين الفلسطينيين في الداخل والخارج ، وصلات القرابة والنسب ، التي تربطها ببعضها ، مما ساعدها لاحقا في رسم الكثير من مخططاتها الأمنية على المدى البعيد ، كما استغلت المخابرات هذا البرنامج من خلال إيصال الشيفرات للعملاء الذين يكلفونهم بمهمات في الضفة الغربية وقطاع غزة ، والدول العربية المجاورة ، وقد اعترف عدد من العملاء على حقيقة هذه البرامج .
- برنامج أستوديو رقم 1 ، الذي كان يقدمه يهودي من أصل عراقي يدعى زكي المختار ، ويتضمن البرنامج فقرة استقبال شكاوى المستمعين ومد يد العون لهم ، وما إن يقدم المستمع شكواه حتى يحوله المذيع إلى دائرة قد تبدو مدنية ، إلا أنها في الحقيقة دائرة استخبارية يساومه هناك ضباط المخابرات على العمل معهم مقابل حل مشكلته .
2- الفضائية الإسرائيلية باللغة العربية :
بعيد انطلاق انتفاضة الأقصى ، تداعت عدد من الشخصيات الإعلامية الإسرائيلية لطرح مقترح على الحكومة بإنشاء فضائية إسرائيلية باللغة العربية ، تخاطب الرأي العام العربي الذي تلقى أخبار الانتفاضة وممارسات قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين ، عبر الفضائيات العربية ، بالصوت والصورة ، وخاصة في ضوء الدور الكبير الذي اضطلع به المراسلون الفلسطينيون في هذا المجال ، وكانت هذه الدعوة لإنشاء الفضائية الإسرائيلية معنونة بأنها " ضرورة تحتمها المصلحة العليا للدولة ".
وفي مطلع العام 2001 اتخذت سلطة البث الرسمية قرارا بتدشين الفضائية ، وشرعت في بثها الرسمي بتاريخ 18/6/2002 ، على القمر الصناعي الأوروبي ، وكان الهدف الرئيس منها توجيه رسالة يومية إلى العرب في الدول العربية ، ونفي الرواية الفلسطينية لأحداث الانتفاضة .
وقد رصدت الحكومة الإسرائيلية مبلغ خمسة ملايين شيكل كدفعة أولى لإقامة القناة ، إضافة إلى 20 مليون شيكل خصصتها سلطة البث لنفس الغرض ، وبثت القناة 12 ساعة يوميا بتكلفة 70 مليون شيكل سنويا ، وبالإمكان التقاطها في جميع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج العربي .[9]
3- البرامج التلفزيونية الناطقة باللغة العربية :
بالإضافة إلى الإذاعة والفضائية ، يبث التلفزيون الإسرائيلي بمختلف قنواته عددا من البرامج الإخبارية والمجتمعية الموجهة للعرب والفلسطينيين،ومنها :
- البرنامج الإخباري ( حصاد الأسبوع ) الذي تبثه القناة الثانية بعد ظهر كل يوم جمعة ، يناقش الأحداث الأسبوعية ويستضيف عددا من الشخصيات من الجانبين .
- البرنامج الاجتماعي ( لتقريب القلوب ) ، الذي تذيعه إذاعة المستوطنين القناة السابعة منذ عام 2001 ، وهو موجه للسكان في الضفة الغربية ، والرسالة المركزية له ، الدعوة للتعاون بين مؤمني الديانتين اليهودية والإسلامية .[10]
- برنامج ( يا هلا ) تقدمه القناة العاشرة بعد ظهر يوم الجمعة ، وهو برنامج منوعات مختلفة .
- التمثيل العربي في الإعلام المرئي الإسرائيلي :
يمثل العرب في فلسطين المحتلة ما نسبته 20% من مجموع السكان في إسرائيل ، وهم يدفعون ضريبة التلفزيون وفقا للقانون ، ولكنهم لا يحصلون على خدمات متساوية ، لأن إجراء مقارنة بين ساعات البث باللغة العربية ، وبينها باللغة العبرية ، ستظهر الفارق والإجحاف :
- القناة الأولى : من بين 139 ساعة بث أسبوعيا ، هناك 13 ساعة باللغة العربية فقط ، بنسبة 9,4% تقريبا .
- القناة الثانية : من بين 149 ساعة بث أسبوعيا ، هناك 3 ساعات فقط باللغة العربية ، بنسبة 2% .
- التلفزيون التعليمي : من بين 54 ساعة ، هناك ساعة واحدة فقط ، بنسبة 1,8% من مجموع ساعات البث الأسبوعية .[11]
- الإعلام الإخباري باللغة العبرية :
ويضم عددا من القنوات الإذاعية والتلفزيونية ، تبث برامج تعبوية تحريضية متنوعة باللغة العبرية ، متضمنة نشرات إخبارية وتعليقات سياسية واقتصادية ، وبرامج تعليمية وترفيهية ومعلومات ، فضلا عن أفلام ومسلسلات ومسرحيات ، وهي عبارة نقل أو إعادة للتوجهات والفلسفة البرامجية نفسها التي تحكم الإعلام الإسرائيلي بشكل عام ، التي وضعت وفق برمجة في إطار استراتيجي مركزي تشرف عليها جهات متخصصة ، مثل الداخلية والخارجية والدفاع والإعلام ، وتضم مختلف الاختصاصات العلمية والأكاديمية وخبراء علوم الاتصال والاجتماع والنفس والحرب النفسية وغيرها ، وهذه القنوات هي :
- إذاعة الجيش الإسرائيلي ( جاليه تساهال ) : تأسست الإذاعة عام 1950 ، لإبعاد الجيش عن السياسة ، أي جعل الجيش فوق التوجهات الحزبية ، ومنع المؤثرات الحزبية من الوصول إلى الجنود ، وهي خاضعة وتابعة كليا ومباشرة لوزير الدفاع ورئيس الأركان ، وهي إذاعة عسكرية قائمة لخدمة الجيش فقط ، وتدار بواسطة ضباط الجيش ، ويتغير كادرها العامل باستمرار ، وغالبيتهم من الجنود الذين يؤدون الخدمة الإجبارية في صفوف الجيش ، ويتم انتقاؤهم وفق مقاييس وامتحانات معينة ، وتتمتع هذه الإذاعة بهامش واسع من الحرية أكثر من غيرها .[12]
- التلفزيون التربوي الإسرائيلي : وقد أنشئ في وقت متأخر عام 1968 ، في وجه معارضة دينية شديدة لأنه يتعارض مع التعاليم الدينية اليهودية ، وحتى خريف 1970 كان التلفزيون يتوقف عن البث تماما لمدة أربع وعشرين ساعة كل أسبوع تقيدا بشعائر يوم السبت اليهودي ، وقد تغلبت الحكومات الإسرائيلية على المعارضة الدينية ، متعللة بضرورة توجيه سكان المناطق المحتلة والأقطار العربية المجاورة ، مما يجعله ركنا أساسيا في إقرار الأمن .[13]
وتطور فيما بعد إلى تلفزيون تربوي للمدارس والأطفال ، وفي الخامسة بعد الظهر يبث برنامجا بعنوان ( مساء الخير ) تناقش فيه القضايا السياسية الآنية ، وعند الثامنة مساء يبث البرنامج الإخباري اليومي ( مبات ) ويعني نظرة .
3- القناة الثانية : منذ عام 1993 برزت القناة الإسرائيلية الثانية، وكانت ترتكز على أساس التعاون بين شركة بيزك للاتصال وسلطة البث الرسمية ، وسرعان ما تحولت إلى قناة تجارية تشارك في رعاية برامجها شركات مملوكة لعمالقة الصحافة في إسرائيل وهي : كشت ، تلعاد ، ريشت ، وتشرف على هذه القناة هيئة شعبية غير رسمية لمراقبة برامجها وتوجيهها .
تبث القناة عدة برامج إخبارية يومية : عند الساعة صباحا ، والخامسة مساء ، والساعة السادسة ، وفي الثامنة مساء النشرة الرئيسية المطولة 45 دقيقة .[14]
4- القناة العاشرة : تقدم برامجها الإخبارية من خلال شركة ( حداشوت إسرائيل ) أخبار إسرائيل ، وهي الشركة التي حصلت على امتياز بدء بث قناة إخبارية ، وتقدم برنامجا إخباريا محليا عند الساعة السابعة صباحا ، والسابعة مساء ، ونشرة تفصيلية عند الساعة الثامنة ، وبعيد انطلاق الانتفاضة استقطبت القناة عددا كبيرا من محرري ومراسلي القناتين السابقتين بصورة واضحة .
إضافة إلى ما تقدم فهناك ما يسمى تلفزيون الكوابل الذي يبث أخبارا وأفلاما وبرامج موسيقية ورياضية متنوعة ، وهو غير متخصص في الشؤون الإخبارية والسياسية اليومية .
كما أن هناك العشرات من الإذاعات المحلية ، حيث تم تقسيم إسرائيل جغرافيا إلى 31 منطقة من أجل تنظيم عملية توزيع البث .
-
- الإعلام الإسرائيلي المكتوب :
تتكون الصحافة في إسرائيل من العديد من الصحف ، إلا أننا سنكتفي بالحديث عن ثلاث صحف مركزية مملوكة لثلاث عائلات منذ إنشائها في مطلع القرن العشرين ، وهي :
- صحيفة يديعوت أحرونوت : وهي مملوكة لعائلة موزيس ،والصحيفة هي الأوسع انتشارا في إسرائيل ، حيث توزع 250-320 ألف نسخة يوميا ، وتوزع ما بين 500-600 ألف نسخة أيام الجمعة ، حيث يصل عدد صفحاتها في نهاية الأسبوع إلى 280 صفحة ، وتضم خمسة ملاحق متنوعة : سياسية ، رياضية ، نسائية ، فنية ، صحية ، اقتصادية .
وتعتبر هذه الصحيفة متطورة وناجحة من حيث مصادر معلوماتها ، وكادرها الوظيفي المؤهل ، الذي يبلغ تعداده 700 موظف ما بين طابع وكاتب ومحرر ومتخصص بالإعلان.[15]
- صحيفة معاريف : وتملكها عائلة نمرودي ، وتحتل الصحيفة المركز الثاني من حيث الشعبية والتوزيع .[16]
- صحيفة هآرتس : وهي مملوكة لعائلة شوكن ، وتتخذ الصحيفة خطا يساريا ومعتدلا بعض الشيء بالمقارنة مع الصحف الأخرى .
إضافة إلى تلك الصحف الثلاث الرئيسية ، فقد غاب عن الساحة الصحفية في إسرائيل صحيفتا عل همشمار ، ودافار ، اللتان كانتا الأعلى في القدرة والشعبية في فترات سابقة ، ولكنهما بفعل أسباب مادية غيرها أزيلت عن الساحة .
-
- الإعلام الالكتروني :
قررت الحكومة الإسرائيلية في الأول من يوليو 2002 استخدام مواقع الانترنيت الحكومية كوسائل إعلام عبر الشبكة الالكترونية ، وأصدرت تعليمات للمديرين العاملين في الوزارات بإدخال مواد إعلامية على المواقع الخاصة بوزاراتهم ، تحمل مضامين تساهم في شرح السياسة الإسرائيلية مع ربطها بمواقع وزارة الخارجية ورئاسة الحكومة ، على أن يكون تحديد مضامين هذه المواد ضمن صلاحيات مكتب رئيس الحكومة ووزارة الدفاع ، وسيتم نشرها باللغتين العبرية والإنجليزية ، على أن يتم نشرها في وقت لاحق بلغات أخرى ، ومنها اللغة العربية ، وبالفعل هذا ما حدث بعد فترة وجيزة .[17]
ومن أهم المواقع الالكترونية الإخبارية الإسرائيلية المواقع التالية :
- ديوان رئيس الحكومة ، ووزارة الخارجية ، والجيش الإسرائيلي ، وبعض المواقع الإخبارية ( نعناع ، ويللا ) .
- المواقع الإسرائيلية المعربة ، وأهمها: صحيفة يديعوت أحرونوت ، وزارة الخارجية ، وغيرها من المواقع التي تحدث خدماتها الإخبارية والتحليلية على مدار الساعة .
- أجهزة الإعلام الحكومي :
تبذل الحكومة الإسرائيلية بمختلف وزاراتها جهودا حثيثة على المستوى الإعلامي تحقيقا لأهدافها السياسية ، عبر سلسلة من الإدارات المتخصصة لاسيما في وزارة الخارجية التي تعتبر بكاملها جهازا إعلاميا متكامل النشاطات ، بل هي ركيزة الإعلام الإسرائيلي الخارجي ، الموجه لدول وشعوب العالم الخارجي .
وتعنى مكاتب الإعلام الحكومية الإسرائيلية بالدرجة الأولى ، لاسيما خلال أحداث الانتفاضة ، بنشر المعلومات عن الحكومة ونشاطاتها ، وأهداف الدولة ومنجزاتها ، وعلى وجه الخصوص كل ما يتصل بترسيخ الوحدة الثقافية والروحية لليهود بوجه خاص ، وتعميق ارتباطهم وولائهم للدولة ، خاصة في ضوء تأثر هذا الارتباط بفعل القلاقل الأمنية التي يعيشها الإسرائيليون خلال انتفاضة الأقصى ، كما تعنى هذه المكاتب بتأهيل المواطن الإسرائيلي للتعبير، عن أهداف إسرائيل القومية ومواقفها السياسية من القضايا الرئيسية ، مما يجعل من هذا المواطن الأداة الأولى من أدوات الإعلام الإسرائيلي .
وتحقيقا لهذا الغرض،ينظم الإعلام الحكومي بمختلف أقسامه المحاضرات والاجتماعات العامة في طول البلاد وعرضها ، ويصدر عددا كبيرا من المنشورات تزيد عن المائة منشور خلال عام واحد ، يوزع منها مئات الآلاف من النسخ داخليا وخارجيا .[18]
وفيما يتعلق بدوائر الإعلام الإسرائيلي ، فإنه حسب خبرة عشرات الصحفيين الذين تعاملوا معها ، نود تسجيل بعض الملاحظات التالية :
- هذه الدوائر تتعامل مع الصحفيين والإعلاميين بصورة مهنية تكسبهم احترام وسائل الإعلام الأجنبية ، فمثلا حين يتصل صحفي ما لطلب رد فعل على خبر معين أو حادث حدث ، فإذا كان الرد متوفرا لديهم يزودونه به ، وإن لم يكن متوفرا فإنهم يأخذون رقم هاتفه أو رقم الفاكس ، ويوافونه بالرد بطريقة لطيفة !
- اليهود الذين هاجروا من أوروبا الشرقية والغربية ممن يمتلكون خبرة صحفية راقية ، نقلوا هذه الخبرة والتجربة ووظفوها في دوائر الإعلام الحكومية .
- استقطبت الحكومة الإسرائيلية كوادر إعلامية متنفذة في جميع بلدان العالم ، وخاصة أميركا وأوروبا ، للعمل ضمن هذه الدوائر ، والتعاقد مع شركات كبرى تعمل في مجال الدعاية وكسب الرأي العام .
- تقوم الدوائر الرسمية الإسرائيلية بتسفير إعلاميين وصحفيين يهود إلى الخارج ، ويتم تبادل الآراء والخبرات ما بين الداخل والخارج عن طريق الدورات التدريبية ، وتبادل المعلومات وتصدير التقنيات .[19]
وتوجد حاليا في معظم الوزارات الإسرائيلية دوائر إعلامية تسعى جميعها لتحقيق ذات الأهداف ، إلا أننا سنركز البحث في ما يلي :
- دائرة الإعلام في ديوان رئيس الوزراء :
ويضم عدة أقسام لعل أهمها المكتب الصحفي للحكومة ، وهو اللسان الناطق باسم الحكومة في مواجهة الصحافة الأجنبية والمحلية ، ويهتم بتقديم الخدمات الصحفية السريعة والفعالة لرجال الصحافة المحليين والأجانب ، ويضع تحت تصرفهم التسهيلات المناسبة ، وعند الضرورة تظل غرف الأنباء مفتوحة لمدة 24 ساعة يوميا ، ويضم المكتب الصحفي قسما للأبحاث ، ومكتبة للمراجع والأرشيف ، وعددا من الموظفين لخدمة المراسلين الأجانب،ويصدر عددا من المنشورات ، أهمها :
- نشرة إخبارية يومية باللغتين العبرية والإنجليزية ، تتضمن افتتاحيات الصحف الإسرائيلية ، وترجمة لأهم التصريحات للمسئولين الرسميين .
- ملخص أسبوعي باللغة الإنجليزية ، حول أهم التصريحات والأحداث الداخلية ، ويرسل إلى البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في الخارج ، والدبلوماسيين الأجانب المقيمين في إسرائيل .
- مختار إسرائيل , باللغة الإنجليزية ، يصدر مرتين شهريا ، بنفس المحتويات السابقة .
- الكتاب السنوي لدولة إسرائيل ، يصدر سنويا ، يضم حقائق عن الدولة ، يوزع على المراسلين الأجانب ، وتقوم وزارة الخارجية بتوزيع مئات الآلاف من النسخ منه سنويا بلغات مختلفة في كافة أنحاء العالم .
- إصدار كتيبات متنوعة في المناسبات الدينية والوطنية الإسرائيلية بلغات متعددة.[20]
وخلال انتفاضة الأقصى ، عين عدد من الناطقين الإعلاميين في مكتب رئيس الحكومة ، من أبرزهم رعنان غيسين .
- دائرة الإعلام في وزارة الخارجية :
ويمكن اعتبارها الجهة المسئولة عن تخطيط وتنسيق نشاطات الإعلام الإسرائيلي ، وفي عام 1970 شكلت الوزارة هيئة استشارية من الشخصيات العامة والمثقفين المختصين في وسائل الإعلام ، لمساعدة الدائرة في رسم الخطط الإعلامية ، وذات مرة قال بن غوريون : إن مهمة وزارة الخارجية الإسرائيلية هي أن تبرر وتفسر للعالم المغزى الكامن وراء عمليات الجيش الإسرائيلي ، ومن أهم نشاطاتها :
- الاتفاق مع كبرى الصحف العالمية على إصدار ملاحق خاصة عن إسرائيل
- تنظيم مقابلات صحفية حول المناسبات اليهودية ، مثل حرب 48 ، وحرب حزيران ، والمجازر النازية ضد اليهود في أوروبا ، ونشرها على أوسع نطاق .
- إصدار نشرات إعلامية بلغات متعددة حول الأحداث المحلية والعالمية ، وموقف إسرائيل منها .
- تنظيم جولات وزيارات ميدانية في شتى المدن والتجمعات السكنية ، ومرافقة وفود أجنبية ، لاسيما اصطحاب هذه الوفود إلى أماكن العمليات الفدائية .
- إقامة علاقات وثيقة مع شبكات التلفزة الأجنبية ، والاتفاق معها بهدف تزويدها بالأفلام الوثائقية الخاصة بإسرائيل .
- إرسال المفكرين والإعلاميين ، واستقدام مفكرين وإعلاميين إلى إسرائيل ، لإلقاء محاضرات وندوات تخدم الأهداف العامة للدولة .[21]
ومن أهم من شغل منصب الناطق الإعلامي للوزارة خلال انتفاضة الأقصى : شاي بزاك ، جدعون مائير ، إسحاق بلومنتال .
- دائرة الإعلام في وزارة الدفاع :
وتضم عددا من الدوائر والأقسام ، أهمها دار النشر ، التي توجه جل عملها لأفراد الجيش ، وتتولى إصدار كتب متنوعة تتناول الموضوعات الجغرافية والتاريخية والعسكرية المتعلقة بمختلف الأسلحة ، كما تصدر عددا من المجلات الأسبوعية والشهرية الموجهة لمنتسبي مختلف أسلحة ووحدات الجيش ، أهمها مجلة ( بمحانيه أي الثكنة ) ومجلة معرخوت .
-
- توظيف دوائر الإعلام الحكومي لوسيلة الضيافة :
عمدت إسرائيل منذ قيامها ، على استضافة عدد كبير من الأشخاص الأجانب من مختلف الجنسيات كل عام ، منهم من تستضيفه بصفته الشخصية ، ومنهم من تستضيفه بصفته الرسمية ، منهم من يدعى فرديا ، ومنهم من يدعى ضمن مجموعة متميزة ، منهم من تستضيفه لحضور مناسبة تحتفل بها ، ومنهم من تستضيفه دون مناسبة ، وإذا كانت وزارة الخارجية تستضيف القسم الأكبر من الضيوف ، إلا أنها ليست وحدها الجهة الإسرائيلية التي تلعب دور المضيف للمدعوين الأجانب .[22]
وقد كان أهم ما ميز ضيوف إسرائيل خلال سنوات انتفاضة الأقصى ، أن دعوتهم تمت نتيجة دراسة واختيار ، فهم إما كانوا رجال سياسة ، وإما كانوا في مراكز السلطة ، وإما أن يكونوا قادة عسكريين أو نقابيين أو فنانين ، رجالا ونساء ، شبابا وطلابا ، المهم أن يتوفر فيهم من المؤهلات ما يجعلهم ، إن لم يكونوا اليوم فغدا ، أشخاصا مرموقين وذوي مكانة ونفوذ في بلادهم .
الفصل الثاني : تعامل وسائل الإعلام مع الانتفاضة
· توصيف الانتفاضة وتشخيص أحداثها :
منذ أن اندلعت الانتفاضة في 28أيلول 2000 سعت إسرائيل لفرض تعتيم إعلامي عليها ، وكانت تقلل من أهمية المواجهات وتعطي أرقاما مضللة حول عدد الشهداء الفلسطينيين سواء الذين سقطوا في الضفة والقطاع أو في الأراضي المحتلة عام 1948 .
وقد حاول الإعلام إبعاد موضوع الانتفاضة عن موقع الصدارة في الصفحات الأولى في الصحف ، والنشرات الإخبارية ، فكانت الأخبار والعناوين الأولى تتركز في الغالب حول الخلافات الحزبية والانتخابات المبكرة لرئاسة الوزراء ، والمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ، والاهتمام ببعض الأخبار العالمية على حساب الأخبار والعناوين المتعلقة بالانتفاضة ، ولعل الدراسات الإعلامية المتخصصة تظهر بشكل أوضح إحصائيات دقيقة تشير إلى إهمال الخبر المتعلق بالانتفاضة ، سواء في الصحف أو الإذاعة والتلفزيون .
وفي فترة لاحقة ، تبدل التكتيك الإعلامي الإسرائيلي باتجاه تصوير أحداث الانتفاضة وكأنها اشتباكات مسلحة بين مسلحين فلسطينيين والقوات الإسرائيلية ، بهدف تبرير القصف العشوائي الإسرائيلي العنيف ضد الأحياء السكنية الفلسطينية.
وما لبثت أن أضحت انتفاضة الأقصى ، مادة غنية للتشويه في الإعلام الإسرائيلي ، فعمل على إعادة تشكيل الأحداث من خلال طاقم صحافي إعلامي ماهر يدرك تماما فن التلاعب بالعقول والمشاعر ، بهدف عزل الانتفاضة وحصرها في إطار أعمال ( إرهاب ، وشغب ، وعنف ) فلسطيني موجه ضد الإسرائيليين .
ورغم أنه لم يصدر أي إعلان فلسطيني ، ولم يتخذ أي قرار في أي هيئة فلسطينية لإعلان الانتفاضة ، إلا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية أصرت منذ الأيام الأولى على الادعاء بأن هذه الانتفاضة ، مدبرة ومخطط لها ، متجاهلة أنها بدأت كرد فعل على محاولة اقتحام أريئيل شارون محاطا بحراسة أكثر من ألف جندي وشرطي للحرم القدسي الشريف يوم الخميس 28/9/2000 ، وإطلاق الرصاص في اليوم التالي الجمعة 29/9 على المصلين في ساحة الحرم ، بعد الانتهاء من الصلاة ، وسقوط خمسة شهداء وجرح العشرات ، مما أدى إلى انطلاق مظاهرات احتجاجية في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية وقطاع غزة ، وصورتها وسائل الإعلام الإسرائيلية كمشاغبات واضطرابات واعتداءات فلسطينية على الجنود الإسرائيليين .
ونستطيع إجمال المنطلقات التي انطلق منها الإعلام الإسرائيلي في توصيفه لأحداث الانتفاضة ، على الشكل التالي :
- الفلسطيني هو المعتدي والإسرائيلي هو المعتدى عليه ، وهذا نهج اتخذته وسائل الإعلام الإسرائيلية بدون استثناء : فما يحدث في الأراضي الفلسطينية هو اعتداء من الشبان الرعاع ضد الجيش ![23]
- الفلسطينيون بدأوا الحرب ، والإسرائيليون يدافعون عن أنفسهم ، وبالتالي تقدم وسائل الإعلام الإسرائيلية جميع الأعمال والممارسات التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي على أنها رد فعل على العنف الفلسطيني ، وهذا بعد عن الحقيقة والموضوعية ، لأن كلمة رد فعل توفر ضمنيا سببا للقيام بالهجوم ، وتفسر الأمر بنفسها ، ووسائل الإعلام التي تتبع نهج الحكومة بولاء شديد ، لم تتساءل مثلا لماذا قام الجيش بقصف مناطق مدنية وبيوت سكنية ، بل يلقون بالمسئولية على الطرف الآخر .[24]
- تبرئة ساحة الاحتلال وممارساته في اندلاع الأحداث، فكثيرا ما كان يتهم المراسلون ، أن خطبة الجمعة في المسجد الأقصى تضمنت عبارات تحريضية ساعدت على إلهاب مشاعر المصلين ، وليس مشاهد الجنود المدججين بالأسلحة وهم يفتشون المصلين بصورة مذلة مهينة !
- العمل على إبراز السلبيات والأخطاء التي اعترت بعض أحداث الانتفاضة ، وتسليط الأضواء عليها وإلهام السامع والمشاهد والقارئ باحتلالها مساحة تفوق واقعها العملي ، ومن ذلك :
- إطلاق النار من بين المنازل ، وخاصة انطلاقا من مدينة بيت لحم باتجاه مستوطنة جيلو ، وقد بررت وسائل الإعلام القصف المستمر لمدينة بيت جالا ، وحاولت من خلال ذلك بث بعض الأكاذيب واختلاق أخبار غير حقيقية تهدف إلى اختراق وحدة الفلسطينيين ، فقد أوردت هذه الوسائل أن سكان بعض المدن الفلسطينية الواقعة على خط التماس بدأوا بتنظيم أجهزة حراسة خاصة في محاولة لمنع المسلحين الفلسطينيين من دخول أحيائهم ، خشية إطلاق النار منها باتجاه أهداف إسرائيلية ، الأمر الذي يؤدي إلى إلحاق أضرار بهم وبممتلكاتهم نتيجة الرد الإسرائيلي .[25]
وجاء في مواضع أخرى أن سكان بيت جالا وقعوا على منشور وجهوه إلى رئيس السلطة الفلسطينية ورؤساء العالم يطالبونهم بوضع حد لممارسات أعضاء تنظيم فتح .
- وقال المراسلون العسكريون : إن الفلسطينيين يطلقون النار من حي مسيحي ، ربما على أمل بأن يصاب رمز مسيحي أو مواطنون مسيحيون ، وهذا سيؤدي إلى مضاعفة اهتمام الرأي العام العالمي .[26]
وسرعان ما نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن وزارة الخارجية الإسرائيلية تساعد عشرات العائلات المسيحية على مغادرة المناطق الفلسطينية ، وقد أجرت الوزارة اتصالات مع سفارات المملكة المتحدة وكندا وقبرص بهذا الشأن ، إلا أن السفارات المعنية أنكرت الموضوع ، كما أن المواطنين المسيحيين الفلسطينيين هم أيضا أنكروا القصة جملة وتفصيلا .[27]
- اختيار قضية اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية ، واتخاذها محور للدعاية والإشاعات عن طريق التهويل تارة ، أو اختلاق إشاعة تستند إلى تلك القضية بشكل ما ، ومن ذلك التركيز على مقتل عدد من العملاء للمخابرات الإسرائيلية على يد رجال المقاومة ، وتصوير أن الفلسطينيين يستغلون أحداث الانتفاضة لتصفية حسابات شخصية وثأرية .
- التزام أسلوب التكرار ، في نقل خبر معين ، حيث يشار إلى أن ناطقا أو جهة موثوقة أكدت النبأ بمناسبة ودون مناسبة ، حتى تغرس الفكرة في نفوس المتلقين لهذه الوسيلة الإعلامية ، وخاصة في الأخبار التي تتناول الشأن الفلسطيني لاسيما الأخبار التي تأخذ طابع إثارة الفتن الداخلية ، ومن ذلك أن الإشاعة بأن حركة فتح تتهم حركة حماس بإحراق أربعة حوانيت في مدينة غزة تباع فيها المشروبات الروحية بتاريخ 4/10/2000 .
- اعتمدت وسائل الإعلام التركيز على المناوشات التي تحدث في بعض الأحيان بين عناصر الفصائل الفلسطينية ، والعمل على تضخيمها قدر الإمكان ، وحبك الروايات الخيالية التي توهم المشاهد وكأن الفلسطينيين على أبواب حرب أهلية .
-
- الرقابة العسكرية :
تعتبر الرقابة العسكرية حلقة هامة في سلسلة حلقات ضبط العلاقة بين السلطة والإعلام في إسرائيل ، ومهمتها إملاء المواقف المحددة في الموضوعات الأمنية ،
ورغم التطور الكبير الذي شهدته وسائل الإعلام الإسرائيلية في مجال النقاشات اليومية والشؤون السياسية ، إلا أن الجانب الأمني ما زال متحكما في انطلاقتها ، فارضا نفسه بقوة عليها ، بداعي المصلحة الأمنية ، حيث أن هناك بعض الموضوعات تعتبر أسرارا لا يمكن للصحافة التعاطي معها ، حتى لو روجتها وسائل الإعلام الخارجية ، ومن هذه الأمثلة :العمليات الاستشهادية ،خطف الجنود ومقتلهم .
وزيادة في تشديد الرقابة ، فقد قرر شارون بعيد تسلمه لرئاسة الحكومة في منتصف 2001 ، ضم إدارة سلطة البث إلى مسؤولياته ، وتشديد سلطة الرقيب العسكري ، وتدخله في حالات عديدة لمنع إذاعة ونشر تقارير صحفية عن قضايا عدة بحجة أنها تمس الأمن العسكري ، وهو ما كان مجال نقد من الإعلام ، حتى أن الرقيب وصف في بعض الأحيان بأنه يتعامل مع الإعلام كعدو في الجبهة العسكرية .[28]
وقد قرر الجيش تقليص التغطية الإعلامية لعملياته في المناطق ، بعد سماع انتقادات من شارون وجهها إليه، لأن صور الجنود المحتلين ليست مرغوبة لمن هم وراء البحار ، وبالتالي تم تغيير السياسة بحيث تتحول إلى تواجد مكثف للجنود مقابل تغطية إعلامية محدودة ، وان الحديث يدور عن عملية محدودة وليس عن احتلال واسع .[29]
ليس ذلك فحسب ، بل إن وسائل الإعلام واجهت مطالبات عديدة بعدم بث بعض الأخبار والأحداث بحجة أنها ( مواد دعائية معادية ) ومن ذلك ، خطابات زعماء المنظمات المقاومة ( حزب الله –حماس –الجهاد ) ، لأن هدف هذه الخطابات بث الخوف واليأس وسط الجمهور الإسرائيلي ، كما أن بث أشرطة الفيديو لمنفذي العمليات الفدائية لا يخدم الحقيقة الإعلامية ، بل يخدم التأويلات المقصودة " للعدو" ، وبالتالي لا يجب على الإعلام الإسرائيلي أن يتعاون معه في هذا المجال ، كما أن الجمهور الإسرائيلي غير معني بأن يصل " المخرب الانتحاري " في المساء إلى صالون بيته ، بعد أن زاره ظهرا في المجمع التجاري ![30]
وكانت حجة الحكومة في هذا المنع أن تلك الزعامات هم أعداء لنا ، ولا يمكن أن نقدم لهم منصة للخطابة .
وكجزء أساسي في العملية الرقابية ، فقد استخدمت وسائل الإعلام الإسرائيلية عددا من المصطلحات الانتقائية الدلالة والتعبير في كل ما يتعلق بالأحداث التي تخص إسرائيل واليهود والجيش الإسرائيلي والعلاقات الإسرائيلية مع الخارج وغيرها ، ولم يقتصر اختيارها على مصطلحات معينة لتستعمل مرة واحدة فقط ، بل من الملاحظ أن كثرتها أصبحت ثابتة ، وذات استعمالات متكررة في حالات مختلفة ، كما أنه تجدر الإشارة إلى أن أسلوب الانتقائية في إيراد المصطلحات ليست قاعدته صحافية إعلامية فحسب ، بل هي في عمقها سياسية وعقائدية في معظم الأحوال .[31]
وقد حاولت وسائل الإعلام التساوق مع المؤسسة الأمنية التي أملت عليها عددا من المصطلحات ، أصبحت فيما بعد جزءا من قاموس الإعلامي الإسرائيلي اليومي ، ومنها :
- يهودا والسامرة وهي الضفة الغربية المحتلة
- المخربين والإرهابيين ، الفدائيين
- الفلسطينيين ، بدلا من الشعب الفلسطيني ، ولكل من العبارتين مدلولهما الكبير
- العمليات الوقائية ، بدلا من عمليات التوغل والاقتحام للمدن الفلسطينية
- المستوطنين ، يصفهم بالسكان
- المستوطنات ، البلدات والأحياء
- الإدارة المدنية ، بدلا من سلطات الاحتلال
- إغلاق ، بدلا من منع الدخول إلى إسرائيل
- أعمال هندسية ذات طابع أمني ، بدلا من تجريف الأراضي الزراعية
- خطوات أمنية ، بدلا من عمليات انتقام وعقاب
- عمليات إحباط موضعية ، بدلا من تصفية فلسطينيين.[32]
لقد صاغ الإعلام الإسرائيلي مصطلحات كثيرة ، حتى لا يتساءل أحد من المسئول عن : دائرة العنف في الشرق الأوسط ، حلقة العنف ، مسئولية الطرفين ، الصدامات بين الطرفين ، المواجهات بين الطرفين ، وغيرها مما تسرب بعضها إلى الإعلامين العربي والغربي ، دون التدقيق في ماهيتها ، ودون أن تتفحص الأهداف التي تتخفى تحت رداء اللغة .
-
- التحريض على الفلسطينيين :
تعود سياسة التحريض المتبعة في وسائل الإعلام الإسرائيلية ، إلى عقود مضت ، ولعل أشهرها ما حدث عشية اجتياح جنوب لبنان ، حيث قادت وسائل الإعلام حملة تشكيك ضد دعوات وزير الدفاع ( أريئيل شارون ) ورئيس هيئة أركان ( رفائيل إيتان ) ، بضرورة القيام بعمل عسكري لإملاء نظام جديد في لبنان .
وفي الوقت الذي يطلق فيه مسئولون إسرائيليون تصريحات عنصرية ضد الفلسطينيين ، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية تنقلها كما هي دون أي موقف ديمقراطي إنساني ، ولعل أبرزها ما قاله رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيغن إبان الغزو الإسرائيلي للبنان حين قال : أن الفلسطينيين مجرد حيوانات تسير على قدمين ،وكما قال رئيس أركانه رفائيل إيتان ، إن الفلسطينيين عبارة عن صراصير مخدرة في قنينة !
ومن التصريحات التي أطلقها مسئولون إسرائيليون خلال انتفاضة الأقصى ، ونقلتها وسائل الإعلام دون أي موقف :
- تصريحات عوفاديا يوسيف في نيسان 2001، الذي قال أن الرب يأسف على خلق العرب لأنهم أفاعي ، وقال في موضع آخر : ممنوع التسامح مع الفلسطينيين ، يجب إرسال القذائف عليهم ، والقضاء عليهم ، إنهم شريرون وملعونون .
- تصريحات رئيس الأركان موشيه يعلون الذي قال أن الخطر الفلسطيني على دولة إسرائيل هو خطر بمقاييس ومميزات سرطانية ، مثل السرطان الخطير وبالذات لأنه لا يمكن رؤيته بالعين المجردة .[33]
- تصريحات نائب وزير الدفاع زئيف بويم الذي قال أن السبب الحقيقي للإرهاب الفلسطيني يعود إلى أسباب وراثية ، وفي ذلك عنصرية منفرة أثارت عليه عددا من زملائه في الكنيست الإسرائيلي .[34]
وبدلا من أن تلعب وسائل الإعلام الدور الناقد ، اكتفت بنقل الحديث أو التصريح ولعبت دور المتفرج فقط لا أكثر .
كما امتد التحريض إلى الصحافة المكتوبة التي كانت محشوة بالمقالات والتصريحات التحريضية، ليست فقط للسياسيين وإنما لكتاب صحفيين ومحررين في هذه الصحف .
وقد أجريت مقابلات عديدة مع ضباط وجنود وقناصة إسرائيليين تمتدح فيها ( بطولاتهم ) ، يقول أحد القناصة في حوار صحفي : لقد أطلقت النار فأصبت شخصين في أرجلهم ، من المفروض أن نكسر عظامهم ونعيقهم ، ولكن لا نقتلهم ، لقد شعرت بالرضا عن نفسي ، شعرت أنني أستطيع أن أقوم بما أوكل إلي وتدربت عليه ، وأعطاني ذلك إحساسا بالثقة بالنفس ، وأنه إذا دخلنا في حرب إنني أستطيع أن أحمي نفسي ورفاقي ![35]
- كما نشرت جماعة إسرائيلية يمينية متطرفة ، مسنودة بالموقف الحكومي الرسمي ، إعلانا مدفوع الأجر في صحيفة ( مكور ريشون ) اليمينية ، يدعو كل جندي أو مدني في إسرائيل أن لا يدخر جهدا في محاولة قتل رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات ، يقول الإعلان : أنت أيها الجندي ، يا من ترى عرفات ، أو مروحيته ، من فوهة البندقية ، أنت ضابط المخابرات أو المدني ، من تميز موكبه ، ولديك المقدرة على قتله ، لا تتردد ، اقتل عرفات ، وذلك لأن عرفات أفعى ومسئول عن النشاطات الإرهابية وقتل المستوطنين ومواطني إسرائيل ، والبيان موقع باسم نشطاء "يشع".[36]
- ونشرت الصحف تقريرا بعنوان ( عزيزي الجندي .. أرجوك اقتل مزيدا من العرب ) ، وجاءت الدعوة على لسان أطفال إسرائيليين بعثوا برسائل إلى الجنود العاملين في منطقة طولكرم ضمن عملية ( السور الواقي ) ، وقالت الصحيفة أن الرسائل التي تلقاها الجيش الإسرائيلي من التلاميذ بين الصف السابع والعاشر ، كانت تحضهم على عدم الاكتراث بالقوانين ، وقتل أكبر عدد ممكن من العرب ![37]
- نشرت إحدى الصحف مقالا لطبيب إسرائيلي يدعى ( موشيه روزنبيلت ) تضمن الدعوة إلى استخدام قنابل ضخمة ضد المدن الفلسطينية ، التي يخرج منها المخربون ، لأن من حق إسرائيل قصف المدن الفلسطينية ، تماما مثلما فعلت دول الحلفاء ضد ألمانيا في نهاية الحرب العالمية الثانية .[38]
في المقابل ، ظهرت في وسائل الإعلام الإسرائيلية بين الحين والآخر مصطلحات وتعابير تشير إلى خوف اليهود على مستقبلهم من خلال تشبيه عمليات اعتدائية عليهم بما حصل في الماضي في ألمانيا على وجه التحديد ، والقصد من وراء استخدام هذه المصطلحات الربط بين الإرهاب الفلسطيني والإسلامي ، والإرهاب النازي المجرم الذي نبذته كل دول العالم في حينه ، والغاية هنا أيضا تنبيه العالم إلى ما يتعرض له اليهود الإسرائيليون .[39]
وامتدادا لحملة التحريض ، فغالبا ما تقتصر صور الفلسطينيين التي تبث في وسائل الإعلام الإسرائيلية المرئية على أولئك الشبان الذين يعدون الزجاجات الحارقة ، وآخرون يرشقون الحجارة على جنود إسرائيليين ، وآخرون يحملون الأعلام العراقية ورايات حزب الله ، ويحرقون العلمين الإسرائيلي والأمريكي .
وقد وظفت وسائل الإعلام الإسرائيلية أحداث العمليات الفدائية ، للتحريض على الفلسطينيين باعتمادها تغطية خاصة لأحداث العمليات داخل الخط الأخضر ، فقد كانت تضم هذه التغطية ما يزيد عن عشر صفحات لعملية واحدة !! مع صور للدماء والقتلى والمصابين ، وتكرار صور الأطفال الإسرائيليين وهم يبكون على جميع تلك الصفحات مع عناوين مثل : دولة تحت الإرهاب ، هجوم يتبعه آخر ، حرب من الإرهاب ، مع نشر قائمة بجميع حوادث التفجير التي وقعت وتواريخها وأماكنها منذ انطلاق الانتفاضة .[40]
لقد مارست وسائل الإعلام دورا تحريضيا للحكومة على بذل المزيد من الجهود لقمع الانتفاضة ، حيث تم النظر إلى الانتفاضة على أنها فيروس قاتل يحتاج لعلاج مكثف وعنيف ، وبالتالي ضرورة التوجه إلى حل جذري مهما كان مكلفا ودمويا ، كالعملية الجراحية الكبرى التي مهما بلغت خطورتها فلا بد منها ، وإن ضعف الحكومة الإسرائيلية تجاه الانتفاضة ليس قضاء وقدرا من السماء على إسرائيل ، بل إن الأمر متعلق بنا نحن الإسرائيليين ، ونحن الذين نقرر ما إذا كنا نريد تحسين قدراتنا في الحكم ورسم المستقبل ، أو نريد البقاء محكومين بنهج " إطفاء الحرائق " فقط بدون استئصال من يشعلها ، وبدون منع حرائق في المستقبل من شأنها أن تأتي على كل الدولة ، من الضروري إحداث تغيير في أنماط العمل ، وإذا لم نفعل ذلك ، فربما سنتغلب في نهاية الأمر على الفيروس الأليم ، ولكن في هذه الأثناء سيواصل الورم الخبيث الانتشار في الجسم على نحو لن نجد له علاجا فيما بعد ، وسيفوت الأوان !![41]
- تسويق الأكاذيب وترويجها كحقائق إعلامية :
أن يتم تشويه الحقيقة ، واختلاق كذبة لتصبح حقيقة في الإعلام الإسرائيلي ، ليس أمرا غريبا أو خارجا عن نطاق الممارسات السياسية الإسرائيلية ، بل يدخل في صلبها ، وهذا أسلوب يؤكد أن القاتل لم يجد ملجأ يسوغ من خلاله ممارساته إلا بالافتراء على الضحية عبر اتهامها بأنها سبب الجريمة التي استحقها ، ولعلنا نذكر المقولة الشهيرة لغولدا مائير حين قالت : لن أسامح الفلسطينيين لأنهم يجبرون جنودنا على قتلهم .
ومن الأساليب التي انتهجتها وسائل الإعلام لتسويق الأكاذيب وترويجها :
- عمدت وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة إلى استخدام صيغة المبني للمجهول ، كما في كلمة ( قتل ) لإبقاء الفاعل مجهولا ، ومن أجل تقليل مسؤولية الجيش ، فأحداث العدوان التي يتم ارتكابها ضد الفلسطينيين ، تعرض كأحداث ( حصلت ببساطة ) ، وهي معادلة تركز على النتيجة وليس على الشخص المتضرر من الحدث .
- تعمد وسائل الإعلام إلى اعتماد عدد من الروايات المختلفة ، وربما المتناقضة لحادث واحد ، رغبة منها في وضع المتلقي بين عشرات علامات الاستفهام حول أي من هذه الروايات الأصح ، إن كان فيها شيء من الصحة أصلا .
- التشكيك بمقتل بعض الفلسطينيين على أيدي الجنود الإسرائيليين والمستوطنين ، من خلال تلفيق الأكاذيب حول ظروف استشهادهم ، ومن ذلك ما صرح وزير الخارجية السابق شمعون بيريز الذي صرح أن التلفزيون الفلسطيني يبث صورا لأشخاص أصيبوا في حوادث طرق ، ويعرضهم وكأنهم أصيبوا بجراح خلال الاشتباكات مع قوات الأمن الإسرائيلية .[42]
ومن أبرز هذه الحالات :
-
- حادثة إعدام الطفل محمد الدرة : الذي استشهد بتاريخ 30/9/2000 ، بأنه سقط في تقاطع نيران بين المسلحين الفلسطينيين والجنود الإسرائيليين ، فرغم أن الصورة التراجيدية قد مزقت الكثير من سطوة الإعلام الإسرائيلي ، فما كان منه إلا أن خاض حربا إعلامية لتبرير عنصريته ، فعمل على تسويق الأكاذيب التالية :
- أن الطفل قتل برصاص الفلسطينيين .
- ثم قيل أنه سقط في تقاطع نيران .
- أن الطفل كان مشاغبا مؤذيا جلب الموت لنفسه .
- الصيغة الرابعة جاءت في صيغة سؤال : ماذا كان الطفل يفعل هناك ؟ بصيغة استفهامية ....
- حادثة استشهاد الرضيعة إيمان حجو : التي استشهدت بتاريخ 7/5/2001 ، حيث أوردت مختلف وسال الإعلام الإسرائيلية رواية مشابهة تمحورت حول سقوط حجو بنيران الجيش الإسرائيلي ردا على إطلاق قذائف هاون باتجاه المستوطنات جنوب القطاع ، موردة أسف المسئولين الرسميين على مقتل الطفلة التي سقطت خلال تبادل لإطلاق النار بين جيش الدفاع وعناصر فلسطينية ، وتصريح آخر لوزير الدفاع الذي قال إن مقتل حجو جاء نتيجة لنيران غير متعمدة .[43]
- اختلاق أكذوبة التوازن الخاطئ ، بين المحتل والشعب الواقع تحت الاحتلال ، بين القاتل والمقتول ، بين ضدين لا يلتقيان إلا في إطار جدلية الصراع ، ومقارعة بعضهما الآخر .
ومن الممكن الاستدلال ببعض الأمثلة على هذه الأكاذيب :
- حادث مقتل عنصرين من الوحدات الخاصة التي حاولت التسلل إلى مدينة رام الله في بداية الانتفاضة ، وتصويره وكأنه مثال للبربرية الفلسطينية ، وتوزيع صور مقتلهما على شاشات التلفاز العالمية .
- درجت وسائل الإعلام على التصريح بسماح السلطات العسكرية لآلاف العمال الفلسطينيين بالدخول إلى الخط الأخضر ، كجزء من سياسة التسهيلات الإنسانية التي تتبعها هذه السلطات ، إلا أن الواقع كان كثيرا ما يكذب هذه الأنباء .
- أشاعت وسائل الإعلام أن سيارات الإسعاف الفلسطينية تقل مسلحين فلسطينيين يستغلون المهمة الإنسانية لهذه السيارات للوصول إلى أهدافهم بقتل الجنود الإسرائيليين ، وإن جنود الاحتلال قلما يردون على مصادر النيران هذه الآتية من سيارات الإسعاف بسبب خشيتها من إصابة هذه السيارات ![44]
ووصل الاتهام مؤخرا أن الاستشهاديين يستغلون سيارات الإسعاف وحرية الحركة التي تتمتع بها ، لاستغلالها والوصول إلى أهدافهم باجتياز الحواجز العسكرية .
- يصور الأطفال الفلسطينيون الذين يشاركون في المظاهرات ويلقون الحجارة ، في وسائل الإعلام الإسرائيلية على أنهم ( كتائب) بيد السلطة والمنظمات الفلسطينية ، ويدفعون إلى موتهم دفعا لجني مكاسب سياسية .[45]
وبعد أن قتل أطفال في حادثة اغتيال قيادات حماس في مدينة نابلس في نهاية يوليو 2001 ، قال رعنان غيسين: ليس من المستبعد أن تكون حماس تقوم باستغلال الأطفال " كتروس دفاعية حية " ، لأنها كانت على الدوام تجند الأطفال لساحة المعركة .[46]
-
- تبرير سياسة الاغتيالات :
بعد أن أعلنت الحكومة الإسرائيلية تبنيها الصريح لسياسة اغتيال النشطاء الفلسطينيين ، بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية مهمة التسويغ الإعلامي لهذه السياسة عبر عدة مراحل :
- انتقاء مصطلحات ذات وقع أخف على المرء من مصطلح الاغتيال ، ومن ذلك :
( القتل المستهدف ، الدفاع الإيجابي ، التصفية الموضعية ، ضربات مختارة ) ، ولعل ذلك كان مدار جدل كبير بين الحكومة الإسرائيلية وعدد من الإذاعات الغربية ، لاسيما إذاعة البي بي سي ، التي أوصتها بعدم استخدام كلمة ( يغتال ) لوصف قتل الإسرائيليين للفلسطينيين ، بحجة أن الفعل يستخدم لوصف عمليات اغتيال شخصيات سياسية مهمة ، وأوصتها باستخدام عبارة القتل المستهدف ، وطالما برر الإعلام الإسرائيلي سياسة الاغتيالات تحت حجة أن رد الفعل الإسرائيلي يندرج ضمن السياسة القاضية بإحباط وملاحقة مخططي العمليات "الإرهابية" .[47]
- إيصال رسالة للرأي العام العالمي مفادها أن الدخول إلى المدن الفلسطينية واغتيال المطلوبين ، يخلق المصاعب والمعضلات للشعب الفلسطيني ، لكن الأكثر صعوبة بالنسبة للإسرائيليين هو أن " ننظر إلى أطفالنا وهم يعلمون أن في هذه المدن أناسا يخططون لتنفيذ عمليات إرهابية ، ولا نذهب هناك لمحاولة منعهم قبل أن يقتلوهم"[48]، بمعنى آخر تبرير سياسة الاغتيالات والاقتحامات للمدن والقرى الفلسطينية وإحداث المجازر فيها .
- لقد بررت وسائل الإعلام سياسة الاغتيالات ، وعمليات القتل والتصفية باعتبارها شرعية وفق قاعدة " من يرد قتلك اقتله " ، لأن القياديين الفلسطينيين الذين قتلوا في عمليات الاغتيال مسئولون عن مقتل عشرات الإسرائيليين ، ويخططون لعمليات أخرى ، لذا فليس هناك أكثر شرعية من قتلهم وتصفيتهم جسديا ، لأن ذلك عمل محق وحكيم ، ويعتبر بمثابة تنفيذ حكومة لحكم الإعدام بحقهم ، ويحبط عمليات إرهابية مستقبلية كانوا يخططون للقيام بها .[49]
- إيجاد مبررات ميدانية لحوادث الاغتيال ، ومن ذلك :
- بتاريخ 14/12/2000 اغتيل الشهيد هاني أبو بكرة من نشطاء حركة حماس من خانيونس ، وجاءت الرواية الإعلامية : أطلق جنود جيش الدفاع النار على سيارة أجرة فلسطينية بعد أن حاول أحد ركاب السيارة إشهار مسدسه !
- بتاريخ 31/12/2000 اغتيل د.ثابت ثابت من قياديي حركة فتح من طولكرم ، وجاءت الرواية الإعلامية كما يلي : وقع اشتباك مسلح مع مسلحين فلسطينيين في طولكرم أسفر عن مقتل أحدهم![50]
وعلى وجه العموم ، فإن أعمال القتل والاغتيال التي تمارسها قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين ، أطفالا وشبابا وشيوخا ونساء ، وحتى مختلين عقليا في بعض الأحيان ، ما زال ينظر إليها في العرف الإعلامي الإسرائيلي على أنها نتيجة وجود اشتباك مسلح في تلك المنطقة .
- جرت العادة لدى وسائل الإعلام الإسرائيلية ، أن تلصق فور الإعلان عن اغتيال ناشط فلسطيني جميع التهم الملفقة المعهودة ، مثل : وضع عبوات ناسفة ، المسؤولية عن قتل عشرات الإسرائيليين ، التنسيق بين المنظمات الفلسطينية ، كان يعد لعملية استشهادية في القدس ، الأمر الذي يشير أن قوائم التهم معدة سلفا ، وهذه الوسائل بانتظار الضحية القادمة ليس إلا !
ولعل أبرز مثال على ذلك ، ما أوردته حول اغتيال ثمانية فلسطينيين في مدينة نابلس بتاريخ 31/7/2001 ، وبعد اعتراف الحكومة الإسرائيلية بمسؤوليتها عن الاغتيال ، لم يجد الإعلام الإسرائيلي وسيلة للتنصل منها ، وفي محاولة لتبريرها اعتمد المراسلون على سرد سير ذاتية لشهيدين من الثمانية وهما : جمال سليم وجمال منصور ، حيث نسب إليهما التخطيط لعمليات إرهابية داخل إسرائيل ، وصور أن مقتلهما كان حماية لأرواح المئات من الإسرائيليين ![51]
- اتبعت وسائل الإعلام الإسرائيلية أسلوب التهويل من قوة أجهزة الأمن في تنفيذ حوادث الاغتيال ، حيث لجأت إلى أسلوب الحرب النفسية المقننة المبرمجة ، في ضوء صراعها الفكري والعسكري مع الشعوب العربية والشعب الفلسطيني بشكل خاص ، وتبين ذلك من خلال رسم السيناريوهات الأمنية حول إلقاء القبض واغتيال نشطاء خلايا المقاومة .[52]
وقد قام المراسلون العسكريون بالحديث عن عمليات الاغتيال وكأنها واحدة من "بطولات" الجيش الإسرائيلي ، وقدرته على الوصول إلى كل فلسطيني مطلوب ، كما يصفها جنرالات الجيش أنفسهم .
-
- تغييب الرواية الفلسطينية في الأحداث :
هدف الإعلام الإسرائيلي بالأساس إلى التقليل من شأن الفلسطينيين كشعب ، وأبرز نموذج على ذلك استبدال عبارة الشعب الفلسطيني بعبارة الفلسطينيين ،ولكل من هاتين العبارتين مدلول كبير .
وإن متابعة وسائل الإعلام الإسرائيلية منذ بداية الانتفاضة تثير علامات سؤال عديدة حول مهنية ومصداقية مراسلين ومحررين وصحف ، ليس فقط بما يقولونه ، بل بما لا يقولونه.
وفي تغطيتها لأحداث الانتفاضة، انتهجت وسائل الإعلام الإسرائيلية أسلوبا لترويج
الموقف الرسمي ،وقامت رواية الأحداث على النحو التالي :
- عدم إحضار متحدثين فلسطينيين في البرامج الحوارية كما كان يحدث قبل الانتفاضة ، وإنما إسرائيليون يتحدثون مع بعضهم البعض ، ويكيلون التهم للفلسطينيين دون أن يدافع عنهم أحد ، وقد تلقى مديرو الأقسام في التلفزيون والإذاعة الإسرائيلية باللغة العربية ، تعليمات من جهات أمنية طالبت بتشديد الرقابة على التقارير الصحفية ، وتلك التي تجري مع شخصيات فلسطينية وأعضاء كنيست عرب .
وربما جاء ذلك تماشيا مع التعليمات التي أصدرها شارون الذي انتقد أداء الإعلام الإسرائيلي ، لاسيما التلفزيون الذي يفتح أبوابه لـ" أعداء إسرائيل"، وطالب بأن تكون سلطة البث خادمة لمصالح إسرائيل أولا وقبل كل شيء ، لأنها في معركة كبيرة ضد "الإرهاب الفلسطيني"، وعلى القناة العامة أن تكون رديفا للدولة في هذه المعركة ، وعدم منح العدو وقتا من برامجها .[53]
- وسائل الإعلام الإسرائيلية التي حاولت إبراز الرواية الفلسطينية بخلاف غيرها ، مثل صحيفة هآرتس ، لم تستخدم المصادر الفلسطينية بطريقة عادلة ، فدائما كان كتابها يستخدمون كلمة ( يدعي أو ادعاء ) عند ذكر الفلسطينيين ، فيقولون : ادعى مصدر فلسطيني .... يدعي الفلسطينيون .
- إن المعلومات التي تغطي الأحداث والتقارير الإخبارية هي من تزويد المصادر الحكومية الرسمية ، مثل مكتب رئيس الحكومة ، والوزراء ، وأعضاء الكنيست ، إضافة إلى المسئولين العسكريين وجهاز الشرطة ، وبالتالي يدفع ذلك الصحافيين والإعلاميين إلى قبول خطاب الأمن من أجل فهم الأحداث .[54]
- لم تنقل وسائل الإعلام الإسرائيلية معاناة أبناء الشعب الفلسطيني في قراهم ومدنهم ، أكثر من ثلاثة ملايين إنسان كانوا وما يزالون محاصرين ، وهناك قرى معزولة تماما عن العالم ، وما يشمله ذلك من نقص في الإمدادات الغذائية والتموينية .
وقد وجه مدير عام البث التلفزيوني توبيخا إلى مراسل برنامج إخباري لنشره تقريرا عما يحدث للفلسطينيين عند حاجز إيريز شمال قطاع غزة ، وتطرقه إلى الظروف الصعبة التي يعيشها المواطنون في غزة .
أما ما يتعلق بالتغطية الإسرائيلية لأحداث العمليات الفدائية، فجاءت على النحو التالي:
- استخدام أسلوب معروف وهو البعد الإنساني للعملية من أجل استقطاب الجمهور ، القتلى الإسرائيليون في العمليات ، العمر والحالة الاجتماعية وعدد الأطفال ، وصورة العربات للأطفال وهكذا .......
- استخدام طريقة عرض صحفية متطورة تعتمد على التناقضات والتقلبات ، مثل تصوير والدة الجندي باكية ، وعلى نفس الصفحة سرد بأسماء حوادث القتل التي استهدفت الشبان الصغار .
- أسلوب إبراز العناوين خلال أحداث العمليات الاستشهادية باللونين الأحمر والأسود ، أي بلوني الدم والحداد .
- تخصيص كامل الصفحات للحديث عن العملية .[55]
- تصوير الفلسطينيين وكأنهم مجرد أرقام
يسقط يوميا شهداء فلسطينيون ويصاب عشرات آخرون ، ومعظم المصابين من الأطفال ، وتكتفي وسائل الإعلام الإسرائيلية المسموعة والمرئية والمكتوبة بنشر عدد القتلى والجرحى ، وجميع هؤلاء الضحايا –حسب الإعلام الإسرائيلي-سقطوا في مواجهات مع قوات الجيش عندما أطلقوا النار على جنود أو ألقوا حجارة ، أي أنهم هم المعتدون والجنود يدافعون عن أنفسهم ، لا تذكر الأسماء والأعمار ، وأماكن سكناهم وظروف استشهادهم ولم تقدم أي وجهة نظر فلسطينية .
وهذا الأمر له علاقة بميزان التغطية لصالح الإسرائيليين ، فإن تغطية " العنف " – إن صح التعبير - ، الذي يعاني منه الطرفان غير متوازن ، ولذلك نرى أن تغطية عنف الفلسطينيين أعلى من عنف الإسرائيليين على عدة مستويات ، ويتم تزويد تفاصيل مسهبة ذات علاقة بالضحايا الإسرائيليين ، فيما لا تظهر تلك التفاصيل فيما يتعلق بالضحايا الفلسطينيين .[56]
وقد أقيل المحرر الصحفي عمير ربابورت من صحيفة يديعوت أحرونوت
بعد أن قام بنشر قائمة بأسماء 16 فلسطينيا قتلوا على يد الجيش الإسرائيلي في يوم واحد ، 13 من بينهم مدنيين و5 أطفال ، وقد أثارت هذه الخطوة ردود فعل غاضبة من جانب عشرات القراء الذين ادعوا أن الاستعراض الصحفي غير وطني من جانب المحرر ![57]
ولكن متى تنشر أسماء الضحايا الفلسطينيين ؟
-
- عندما لا يكونون عربا ، مثل الدكتور الألماني الأصل ( هاري سيشارد 55 عاما ) الذي قتل بشظايا صاروخ في بيت جالا عندما كان يستعد لنقل الجرحى إلى المستشفى في بداية الانتفاضة .
- رغم اتباع وسائل الإعلام الإسرائيلية لأسلوب المبني للمجهول في مقتل الفلسطينيين ، فإنه في المرات المعدودة التي قدمت الأخبار بصيغة المبني للمعلوم ، كانت عند حدوث عمليات اغتيال ، وهدفت من ذلك إلى تبيان وتعزيز القناعة بأن الجهود الأمنية الإسرائيلية كانت تتعامل بفعالية مع التهديد الكامن الذي يمثله الفلسطينيون .
- وفي حين أن وسائل الإعلام – كما مر معنا- تتجاهل بشكل دائم أسماء الشهداء الفلسطينيين وأعمارهم ، وما يخصهم من معلومات شخصية ، إلا أنها تعمد إلى ذكر القتلى المشتبهين بالتعاون مع سلطات الاحتلال ، شارحة مسيرة التعذيب التي مروا بها لدى النشطاء الفلسطينيين ، ويلاحظ أن هذه الأنباء تأخذ وقتا أطول بكثير من فقرة الأوضاع الميدانية في الضفة والقطاع .[58]
- تلجأ وسائل الإعلام الإسرائيلية ، لاسيما المرئية منها ، إلى التلاعب بالصورة التلفزيونية من خلال تقريب العدسة على الجمهور الإسرائيلي أثناء تشييع أحد قتلاهم ، مما يعطي تأثيرا كبيرا للمشاهد ، ويخلق حالة تضامنية معه ، في حين تغيب صورة الضحايا الفلسطينيين تماما ، وبينما كان التلفزيون الإسرائيلي بمختلف قنواته يبث أحيانا صورا لجنازات الشهداء الفلسطينيين عن بعد ، ومن خلال لقطات قصيرة لا توحي بمظاهر الحزن والألم التي تعتصر قلوب المشاركين في الجنازة .
ومن ذلك ما حدث عند قيام قوات الاحتلال بتفجير بناية سكنية في مدينة رام الله بتاريخ 30/4/2001 واغتيال حسن القاضي أحد عناصر حركة فتح ، فقد تجاهلت وسائل الإعلام الإسرائيلية الإشارة إلى استشهاد طفلين شقيقين في الحادث ، واكتفت بالقول أن ثلاثة أشخاص قتلوا في حادث التفجير ، كما تجاهلت القنوات التلفزيونية الإسرائيلية بث الصور المؤثرة عن عملية انتشال الطفلين من تحت الأنقاض التي تناولتها شبكات التلفزة العربية والأجنبية ، وفي اليوم التالي بث التلفزيون صورا لجنازة الشهداء الثلاثة ، وتركزت على مسلحين فلسطينيين يتقدمون الجنازة ، وعلى شاب يحمل علم العراق ![59]
-
- انتهاج سياسة لوم الضحية الفلسطيني
يمارس الإعلام الإسرائيلي منذ انطلاق الانتفاضة ، سياسة غريبة قامت على لوم الضحايا الفلسطينيين ، ليس لأن آلة القتل الإسرائيلية حصدتهم جماعات وفرادى ، بل لأن أجسادهم تصدت للرصاص الإسرائيلي ، كما جاء على لسان أحد الصحفيين الإسرائيليين ، أن الإعلام الإسرائيلي لا يبالي بقتل الضحية الفلسطيني ، بل بتعب الجلاد ( الإسرائيلي ) في قتلها ، فالإعلام إذا لا ينظر إلى الجثة الهامدة ، وإنما يفكر كم أتعبه قتل هذه الضحية !!!
وقد تبني هذه السياسة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو الذي أكد في مقال شهير له أن جيش الدفاع الإسرائيلي يحرص على توجيه أعماله بقصد الدفاع عن النفس ضد الإرهابيين ومن يرسلهم ، وإذا ما قتل أطفال أو أبرياء آخرون ، فهذا نتيجة لهذه الأعمال ، أو نتيجة خطأ محض ، فقط !![60]
ووردت تعليقات إسرائيلية مختلفة تبرر مقتل الفلسطينيين ، تشير إلى عدم وجود ما يعرف بالحرب النظيفة ، وبالتالي لا يجب على إسرائيل أن تتأسف على الإصابة غير المقصودة بالمدنيين الفلسطينيين في إطار حربها ضد الإرهاب ، خاصة وأن الحرب التي تخوضها ضد الإرهاب الفلسطيني هي حرب شاملة ، كما أن السكان المدنيين الذين يقدمون المأوى والدعم للمخربين ، لا يستحقون أن يطلق عليهم اصطلاح الأبرياء ، ولذلك فإنه لا ينبغي ذرف الدموع والتأسي على الإصابة غير المقصودة ضدهم.[61]
ليس هذا فقط ، بل إن ما حدث في جنين كان مدار بحث ونقاش أكاديميين لدى المؤسسات الإعلامية الإسرائيلية ، فقد جرى يوم دراسي نظمه مركز يافي للدراسات الاستراتيجية بعنوان : استراتيجية الإعلام الإسرائيلي : جنين مثالا ، وكان خلاصته أن ما حدث في المدينة من دمار ومعاناة للفلسطينيين ، لا نستطيع تجاهله ، ولكن يجب أن نعلم أن ذلك نتيجة ذنب المخربين الانتحاريين الذين كانت جنين " عاصمتهم " والذين حولوا السكان المدنيين إلى دروع بشرية ![62]
ولعل أكبر مثال على إتباع هذه السياسة ، الأمثلة التالية :
- ما يحدث في مدينة الخليل بين الفلسطينيين والمستوطنين ، حيث تنتهج وسائل الإعلام طريقة شبه موحدة في وصف الأحداث هناك خلال الانتفاضة ، كما يلي :
تراشق عشرات من الشبان الفلسطينيين والمستوطنين بالحجارة قرب ( كريات أربع ) في الخليل ، مما أسفر عن إصابة عدد من الشبان الفلسطينيين ، ولسبب لم يعرف بعد !! فيما الحقيقة أن غالبية المواجهات تنجم عن اعتداء يشنه المستوطنون على منازل الفلسطينيين ومحلاتهم التجارية ، وفي الوقت الذي يواصل فيه المستوطنون إلقاء بالونات الغاز على الفلسطينيين وإحراق محلاتهم ، تصور وسائل الإعلام الإسرائيلية هذه الممارسات بقولها : المستوطنون اليهود يواصلون احتجاجاتهم في الخليل ![63]
- مع قرب احتفالات مدينة بيت لحم بأعياد الميلاد في نهاية عام 2000 أورد التلفزيون الإسرائيلي تقريرا عن المدينة ، عارضا لصور المحلات التجارية الخالية من الزبائن ، وإلقاء اللوم في تدهور الوضع السياحي على الفلسطينيين ، وفي الوقت الذي أورد التقرير أن سلطات الجيش سمحت لجميع المسيحيين والسياح بدخول المدينة دون أي قيود أو تصاريح رسمية ، فقد فندت بعض الفضائيات هذه المزاعم بسبب وجود الحواجز العسكرية على مداخل المدينة .[64]
- أوردت صحيفة هآرتس صورة تظهر جنديا إسرائيليا يقوم بدفع مسن فلسطيني لا حول له ولا قوة يستند على عكاز ، حيث ثارت ثائرة عدد من الكتاب الإسرائيليين الذين اتهموا هذا المسن ابن الـ72 عاما بمحاولة اختطاف سلاح الجندي الذي يعتمر خوذة ومسلح ببندقية متطورة !![65]
- أجرى التلفزيون الإسرائيلي لقاء مع حسين الشيخ أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية ، بعد حادث مقتل حارس مكاتب التأمين الوطني في القدس ، وقد طلبت منه المذيعة ( غيئولا إيفن ) الانتظار لمشاهدة مقابلة مع زوجة الحارس ، على نسق مواجهة ( الضحية لجلادها ) وسألته ماذا تقول لهذه المرأة ؟ وبهذا يتحول الضحية ( الفلسطيني ) مسئولا عن مأساة هذه المرأة والعائلة !![66]
وبالتالي فقد استخدمت الاستراتيجية الإعلامية الإسرائيلية أسلوب لوم الضحية في حالات الاستخدام المفرط للقوة الذي تقوم به قوات الاحتلال ضد الجماعة المحرومة ( الفلسطينيين ) ، وبالتالي فإن نشر التقارير حول العنف الرسمي الذي تنفذه الدولة ضد هؤلاء كان يتلازم مع معلومات تحاول تبرير تلك الأعمال ، مثل المعلومات المفصلة حول العنف ضد قوات الأمن ، إضافة إلى الاتهام بأن أعضاء الجماعة المحرومة ( الأبرياء ) كانوا يبيتون نية الهجوم .[67]
-
- استهداف وسائل الإعلام الفلسطينية والأجنبية :
يدعي الإسرائيليون أن بعض وسائل الإعلام العالمية ، وخلفها الدعاية العربية ، تسعى إلى تشويه صورة إسرائيل ونقل حقائق مغلوطة عن الانتفاضة ، علما بأن الممارسات الإسرائيلية كان لها أكبر الأثر في نقل هذه الصورة ، وقد دار هذا الجدل في جلسات الحكومة ، حيث تبادل وزير الخارجية شمعون بيريس الاتهامات مع رئيس الحكومة شارون الذي انتقد بدوره الإعلام بمسؤوليته عن الموقف المعادي لإسرائيل في أوروبا ، إلا أن بيريس رد عليه بأن الوزارة لا تستطيع أن تقوم بالدعاية للدولة في الوقت الذي تبث فيه صور هدم المنازل وصور الأولاد القتلى ، لأن كل الكلمات – حسب قوله- لا تغطي صورة واحدة ، تظهر كيف يهدم الجنود بيتا وكيف يقتلون طفلا .[68]
ومع ذلك فقد اتخذت إسرائيل عدة خطوات في مواجهة الإعلام العربي والأجنبي :
- المقاطعة الإعلامية : حيث اتخذت شركة الكابل الإسرائيلية قرارا بإيقاف بث قناة الـCNN عبر الكابل إلى المشاهد الإسرائيلي ، واستبدالها بقناة فوكس الإخبارية ، المعروفة بانحيازها الصارخ لإسرائيل ، على خلفية التغطية أحادية الجانب من قبلها لأحداث الانتفاضة ، واتهم مدير عام شركة الكوابل تغطية القناة للانتفاضة بأنها أحادية الجانب ومغرضة وبمثابة فضيحة.[69]
- قادت إسرائيل حملة عبر الجالية اليهودية في الولايات المتحدة ضد عدد من الصحف الأمريكية التي تتهم بالانحياز للفلسطينيين ، ومن ذلك ، الحملة التي شنت ضد صحف نيويورك تايمز ،ولوس أنجلوس تايمز ، وشيكاغو تريبيون ، حيث تم إلغاء آلاف الاشتراكات ، وموجات عديدة من التهديد بإلغاء الاشتراكات وخطابات الاحتجاج ، وفيضان من الاتصالات التليفونية والرسائل الالكترونية ، مرورا بتنظيم احتجاجات على أبواب الصحف منذ بدء الانتفاضة ، منتقدينها لعدم استخدامها كلمة ( إرهاب ) في وصف الفلسطينيين المسلحين .
- إعلان وزير الاتصالات روبين ريفلين أن وزارته تدرس إمكانية إيقاف البث الكامل لقناة الجزيرة الفضائية عبر الكابل وخدمات الأقمار الصناعية ، بسبب عدائها لإسرائيل واستضافتها شخصيات تدعو عرب إسرائيل إلى التمرد ، وامتد هذا الضغط إلى اليهود الأمريكيين ، حيث هدد مركز ( ويزنشتال) في لوس أنجلوس بتنظيم حملة لمقاطعة قناة الجزيرة بسبب لهجتها المعادية للسامية .[70]
- استهداف الصحافيين الفلسطينيين والأجانب : حيث سجلت ممارسات قوات الاحتلال سجلا قاتما من الانتهاكات السافرة ضد لحرية التعبير عن الرأي ، وتسجيل الحدث عن قرب ، من خلال :
- إطلاق النار باتجاههم : حيث قتل أربعة صحفيين ، وأصيب زهاء مائتي صحفي آخر ، برصاص جنود الاحتلال وشظايا صواريخه .
- سحب البطاقات الصحفية من الصحفيين والإعلاميين ومنعهم من دخول بعض المدن والقرى ، بحجة أنها مناطق عسكرية مغلقة .
- الاعتداء على المؤسسات الإعلامية ، وخاصة ما حدث في بداية الانتفاضة من قصف لمقر الإذاعة والتلفزيون في غزة ورام الله بالصواريخ .[71]
- استهداف المواقع الالكترونية لعدد من الفصائل الفلسطينية المقاومة ، وإرسال رسائل التهديد ، وشن حملة على الموقع الالكتروني للرسامة الكاريكاتيرية ( أمية جحا ) التي تصور المعاناة الفلسطينية برسوماتها المعبرة .
-
- الإعلام الإسرائيلي وعرب فلسطين المحتلة 48 :
تميز الإعلام الإسرائيلي بالتحيز الفاضح ضد فلسطيني المحتلة عام 1948 ، فقد كانت تغطية أحداث هبة أكتوبر 2000 مثالا لهذا التحيز ، وقد أخذ هذا التحيز أشكالا عدة ، منها :
- أجرت وسائل الإعلام في تلك الفترة العديد من اللقاءات للإحاطة بجوانب هذه الأحداث مع شخصيات إسرائيلية فقط،واستبعدت سياسيين ومحللين من عرب48.
- وصفت المتظاهرين العرب بالمشاغبين ، فيما وصفت اليهود الذين اعتدوا على السكان العرب في مدينة الناصرة ، بالمتظاهرين الذين ردوا على استفزازات العرب .
- تعمدت وسائل الإعلام التعتيم على الأحداث الساخنة التي زخرت بها فلسطين المحتلة في تلك الفترة ، والإيحاء بأن الأوضاع هادئة ، فيما كان الشهداء يتساقطون بنيران الجيش والشرطة .
- بعد مقتل ثلاثة عشر شابا من فلسطينيي 48 ، كانت الصحف الإسرائيلية تذكر أسماءهم وأعمارهم وأماكن سكناهم ، ولكنها خلال أسبوع كامل لم تنشر صور الضحايا ولم تنشر التفاصيل عن ظروف مقتلهم إلا من مصادر الشرطة ، ولم تنشر عن عائلاتهم ولا عن أمهاتهم – كما تفعل مع القتلى الإسرائيليين- ، ومع أنه ليس حدثا عاديا أن يقتل مواطنون بالرصاص الحي من بنادق الشرطة المكلفة قانونيا بالحفاظ على أمنهم ، إلا أن وسائل الإعلام اكتفت بنقل ادعاءات الشرطة نفسها التي وصفت الضحايا بأنهم كانوا يمثلون خطرا على حياة أفراد الشرطة وحرس الحدود ، وذلك لتبرير قتلهم ، علما بأنه كان من بين الضحايا شبان قتلوا برصاص قناصة صوبوا عليهم من مكان بعيد .[72]
- تعامل الإعلام الإسرائيلي مع أفراد الشرطة الذين اتهموا بإطلاق النار على الشبان العرب ، على أنه سلوك جنائي ، لا يوجد فيه أي بعد سياسي عنصري ، وتم إغفال الأبعاد السياسية للموضوع على المجتمع اليهودي ذاته ، وعلى العلاقات بين المجتمعين العربي واليهودي ، مع العلم أن الشرطة وأفرادها ليسوا بمعزل عن توجه باقي مؤسسات المجتمع والسلطة اليهوديين ، من حيث التسامح مع قتل العرب .[73]
- في ظل وجود عدد من الإذاعات العربية في الداخل ، فقد فرضت الجهات المختصة رقابة شديدة عليها ، تمثلت في نقطتين هامتين :
- إلزامها بترجمة نشرة الأخبار باللغة العبرية إلى اللغة العربية، ومن ثم بثها إلى الجمهور العربي ، وبالتالي لم تكن نشرة أخبار عربية في فحواها .
- تدخل سلطة البث في عمل هذه الإذاعات ، فقد كان عليها تقديم لائحة البرامج ، وهم يتدخلون في قبول ورفض برامج معينة ، كما عينت سلطة البث موظفا يهوديا خاصا لتسجيل كل ما يقدم في هذه الإذاعات ، ومراقبة كل شيء .[74]
- ولعل أخطر خطوة اتخذتها الحكومة الإسرائيلية بهدف حجب الرواية العربية لفلسطيني 48 ، تمثلت في إغلاق صحيفة صوت الحق والحرية الناطقة باسم الحركة الإسلامية بناء على توصيات جهاز الأمن الداخلي ( الشاباك) عام 2002 ، الذي قال أن المواد المنشورة في الصحيفة تحرض ضد الصهيونية ومؤسسات الحكم في دولة إسرائيل ، وهذه تشكل خطرا على سلامة الجمهور .[75]
- كما قامت الجهات الأمنية بإغلاق راديو 2000 وهو الإذاعة الوحيدة الخاصة بعرب 48 في أعقاب التغطية الإعلامية التي قامت بها الإذاعة .
وبالتالي يمكن اعتبار ما يحدث في الإعلام الإسرائيلي من تجاهل لرواية الفلسطينيين والعرب في فلسطين المحتلة 48 ، ليس بعيدا عما يحدث في السلوك السياسي للمجتمع اليهودي ، الذي يستثني ويميز ضد الفلسطينيين في كافة المجالات ، بل يمكن الجزم أن عملية التهميش هذه في كافة المجالات الحياتية تتغذى وتستمد شرعيتها من الاستثناء الإعلامي لهويتهم وحضارتهم ووجودهم ، بل تدل الأحداث على أن الإعلام الإسرائيلي ، ساهم في بلورة التعامل السلبي تجاه الفلسطينيين من قبل الشارع والمؤسسة الحاكمة في إسرائيل .[76]
-
- الفصل الثالث : ظواهر إعلامية في الإعلام الإسرائيلي
هناك دوائر ثلاث تضبط العلاقة بين وسائل الإعلام والسلطة في إسرائيل ، وهي :
- هيئة رؤساء التحرير وهو ما جرى الحديث عنه في بداية هذه الدراسة
- المراسلون العسكريون ، ممن يملكون ماضيا عسكريا معروفا
- المراسلون السياسيون ، الذين يمتلكون علاقات مؤثرة مع المسئولين ، ويعتبرون بمثابة مستشارين لهم .
وتعمل هذه الدوائر وفق أسلوب تحقيق التوازن وتوزيع المعلومات حسب التخصصات والقدرات ، ونتيجة لذلك تقل الضغوطات على الإعلاميين إلى حد كبير .[77]
ويلعب المراسلون الصحفيون والإعلاميون الإسرائيليون دورا خطيرا ومهما في المعركة الإعلامية التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني ، ورغم محاولات كثير منهم لإقناع الرأي العام ، لاسيما الفلسطيني منه ، بحيادية تقاريرهم ، وبأنهم لا يمثلون الذراع الدعائي للحكومة الإسرائيلية بمختلف أجهزتها ، إلا أن تغطية أحداث الانتفاضة ، أكدت الحقيقة التي يحاولون إنكارها ، ولعل أبلغ ما قيل في هذا السياق ، ما ذكره توماس فريدمان الكاتب الأميركي الشهير والمقرب من الدوائر اليهودية في الولايات المتحدة : إن جزءا من الصحافة الإسرائيلية تسيره دوافع أيديولوجية ، ففي بعض الأحيان يعمد المراسل والذي مهمته نقل الأخبار ، إلى دمج الخبر وابتاعه بالتحليلات ، والنتيجة تكون خليطا من الحقائق ، وهذا يعني أن تقليد التقارير الموضوعية ليس راسخا في الإعلام الإسرائيلي .[78]
وقد وجد ذلك طريقه إلى الترجمة العملية من خلال :
- يرتأى العديد من المراسلين نقل نصف الحدث للمستمعين أو القراء أو المشاهدين ، أما النصف الآخر فيترك لفبركة القائمين على العملية الإعلامية ككل ، بهدف التضليل ، وإيجاد حالة من التشويش ، وصناعة أكثر من رواية للحدث .
- غالبا ما يبدأ المراسلون تقاريرهم بسرد قصص أقرب ما تكون إلى الخيال عن حوادث إطلاق النار على مواقع إسرائيلية ثابتة أو متحركة.[79]
وقد أشار البروفيسور شلومو زند المحاضر في قسم التاريخ في جامعة تل أبيب أنه منذ الأيام الأولى لبداية الانتفاضة ، لاحظ أن معظم الصحفيين الإسرائيليين من اليسار واليمين ، يندفعون إلى مواقف أطلق عليها مواقف قومية متلهفة ، وردا على سؤال إذا كان يقصد المراسلين العسكريين ، قال : لا يفاجئني المراسلون العسكريون ، فلم أتوقع من روني دانيئيل ، المراسل العسكري للقناة الثانية ، ولا من ألون بن دافيد المراسل العسكري للقناة الأولى ، شيئا آخر ، لأن وجودهما ومكانتهما مستمدان من معلومات تصدر عن عسكريين إسرائيليين ، إلا أن ما فاجأني ظاهرة ( إيهود يعاري ) محرر الشؤون العربية في القناة الثانية ، فهو يجلس كل مساء أمام الشاشة ، مع ثقة غير عادية بالنفس ويقرر كل ما يجري على الأرض ، قبل أن يعرف عرفات ، المشكلة أن يعاري لم يعد يتكلم بلهجة حيادية ، أسوة بمعظم المراسلين والمذيعين في الراديو والتلفزيون الذين تحولوا إلى محرضين وملتصقين بجهاز الدولة ![80]
-
- الخلفية الأمنية والعسكرية للمراسلين :
جميع المراسلين أو معظمهم على وجه التحديد ، يتوزعون على ثلاث فئات :
- إما من اليهود الذين تخرجوا من مؤسسة المخابرات الإسرائيلية ، أو الذين كانوا على علاقة بالمؤسسة الأمنية ، بهذا الشكل أو ذاك .
- وإما من الدروز العرب الذين تخرجوا من الوحدات المختارة في الجيش الإسرائيلي ، ومعروف عن بعضهم تأييدهم لتكتل الليكود اليميني .
- وإما من العرب الحاصلين على موافقة أمنية ، وقد تم تصفية بعضهم على اعتبار أنهم عملاء ، ومنهم من اعتقل لدى السلطة الفلسطينية بتهمة التعامل مع المخابرات الإسرائيلية .[81]
ومن أهم هؤلاء المراسلين المنحدرين من خلفيات وأصول عسكرية ، وبرزوا خلال انتفاضة الأقصى ، وساهموا بصورة كبيرة في توجيه الرأي العام الإسرائيلي:
- إيهود يعاري : محرر الشؤون العربية للقناة الثانية ، مرتبط بشكل جيد بالمؤسسة الأمنية ، ويمتلك شبكة صداقات مهمة من بينها : أمنون شاحاك رئيس الأركان السابق ، مارتين أنديك السفير الأمريكي السابق في إسرائيل ، عاموس ملكا رئيس قسم الاستخبارات في الجيش ، شمعون شامير السفير الإسرائيلي السابق في الأردن .
- يوني بن مناحيم : محلل الشؤون العربية في التلفزيون الإسرائيلي ، ضابط احتياط في جيش الاحتلال ، شارك في عملية الليطاني في جنوب لبنان عام 1967 ، وبالإضافة إلى عمله الإعلامي يحاضر في إحدى المستوطنات ، ويمتلك شبكة علاقات مهمة مع عدد من الشخصيات الفلسطينية .
- روني شكيد : محرر الشؤون العربية في صحيفة يديعوت أحرونوت ، عمل محققا في الشاباك وأسهم في تعذيب الفلسطينيين ، حتى عام 1983 ، في معتقل المسكوبية بالقدس المحتلة .
- شمعون شيفر : المحلل السياسي في صحيفة يديعوت أحرونوت ، ويمتلك علاقة صداقة وطيدة مع شمعون بيريس ، ويلتقي معه أسبوعيا في منزله .
- شاؤول منشيه : محرر ومذيع في الإذاعة الإسرائيلية ، يهودي من أصل عراقي وضابط في المخابرات ، وكان يحرض المحققين على خلع عيون الأسرى الفلسطينيين ، عندما كان يزور أقبية التعذيب .
- يهودا ليطاني : محرر للشؤون السياسية في صحيفة يديعوت أحرونوت ، عمل كناطق لجيش الاحتلال في الضفة الغربية ، وهو الآن ضابط احتياط .
- بنحاس عنبري : كاتب صحفي ، وعمل في دائرة الإحصاء التابعة لسلطات الاحتلال في الضفة الغربية .
وهناك العديد من المراسلين والمحللين مثل :
ناحوم برنياع ، رون بن يشاي ، زئيف شيف ، إليكس فيشمان ، ألون بن دافيد ، روني دانيئيل ، يوآف ليمور .
ونظرا لمتانة العلاقات بين هؤلاء المراسلين والمستويات السياسية والأمنية ، فإننا كثيرا ما نسمع أو نقرأ ، تحليلات سياسية أو عسكرية ، من صحفي يستند إلى ما بات يعرف بـ ( مصدر أمني كبير ) أو مصدر سياسي مطلع .
وبالإضافة إلى عمل المراسلين ، فقد جرت العادة أن تختار وسائل الإعلام الإسرائيلية محللين لها وخاصة في المجالين السياسي والعسكري ، ومن هؤلاء :
- إيتان بن إلياهو : محلل عسكري للقناة الثانية ، وهو رئيس سلاح الجو السابق
- عاموس مالكا : المحلل العسكري للقناة الأولى ، وهو رئيس شعبة الاستخبارات السابق في رئاسة الأركان
وتشير هذه التعيينات إلى أن وسائل الإعلام تختار هؤلاء المحللين بناء على توصيات حكومية في بعض الأحيان لفرض نبرات استبدادية لأغراض سياسية ، ويعتبرون في بعض الأحيان ( مهدئون قوميون ) .[82]
إن هؤلاء المراسلين يعتمدون على الجيش الإسرائيلي مصدرا لمعلوماتهم ، وإن الموضوعية والأمانة الصحفية بعيدة كل البعد عن تقاريرهم وأخبارهم ، وقد أكد ذلك قناص إسرائيلي في حوار صحفي أجري معه ، وقال : عندما نستمع في الإذاعة عن تبادل لإطلاق النار جرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، نسخر من ذلك !!
ولم يكتف الصحفيون الإسرائيليون بأن يصبحوا مجندين في خدمة الخط الإعلامي الرسمي ، السياسي والعسكري ، بالاكتفاء بمصادر المؤسسة الأمنية والعسكرية لنقل المعلومات إلى مشاهديهم ومستمعيهم وقرائهم ، بل في توجههم إلى الشخصيات الفلسطينية التي كانوا يقابلونها بين الحين والآخر ، وهذا مثال واحد فقط :
- صباح يوم 2/11/2000 أجرى مقدم برنامج (هذا الصباح ) في الإذاعة الإسرائيلية مقابلة هاتفية مع زياد أبو عين أحد قادة حركة فتح في الضفة الغربية ، وحين تحدث عن أسباب اندلاع الانتفاضة ، قاطعه المذيع أكثر من عشر مرات خلال أربع دقائق بعصبية قائلا: خرجتم إلى الحرب ، فخذوا الحرب ، إن إسرائيل دولة قوية ، هل تعرف ذلك ؟
قال أبو عين : نحن الفلسطينيون نريد السلام ، فرد عليه المذيع : إذا كنتم تطلقون النار على مستوطنات مدنية وعلى الجنود ، فهل تعتقد أنكم ستأخذون الورود ؟ سوف تأخذون الرصاص !
إن المستمع إلى هذا الحوار لن يعرف أنه يدور بين صحفي وسياسي ، بل بين سياسي منحاز وله مواقف محددة ، وسياسي يقف في الطرف الآخر ![83]
وقد بلغ التساوق بين الإعلام الإسرائيلي والمؤسسة العسكرية حدا لا يكاد يوصف ، لدرجة الكذب على الجمهور ، وابتداع مصطلحات وتعابير يرغب الجيش بتسويقها بشكل تطوعي ، ومن ذلك ، ما قام به الجيش بعد مقتل أحد المستوطنين في مدينة بيت لحم ، حيث أعلنت وسائل الإعلام الإسرائيلي أن الجيش يقوم بحملة لـ(تتويج ) المدينة !
قد يظن البعض أن ( تتويج ) مدينة ما هو أمر لطيف ومحبب ، ولكن الأمر ليس كذلك ، بل هو استخدام لعبارة باللغة العبرية لوصف عمل عسكري ، قام به الجيش الإسرائيلي ، ويبدو أن معرفة المحررين العسكريين بأن الناس لا ترغب كثيرا في سماع أخبار العمليات العسكرية ، جعلت هؤلاء المراسلين والمحررين يبتكرون مصطلحا أكثر قبولا فجاءوا بكلمة ( تتويج) المأخوذة من تاج ، والتاج في العبارة ليس سوى الجيش الإسرائيلي الذي أعاد احتلال مدينة بيت لحم ![84]
- التنافس في استعداء الفلسطينيين :
تشير الوقائع إلى أن هناك تحولا طرأ على الإعلام الإسرائيلي بعد الانتفاضة ، فقبلها كان الإعلام يحقق ويفحص الأمور ميدانيا ، ولكن اليوم أصبح كل صحافي يشعر بالوطنية ، ولا يفرق بين ذلك وبين مهنته الصحافية ، ولذلك فإنه ينقل الحدث من وجهة نظره ، ولا يجتهد من أجل البحث عن الحقيقة ، وبالتالي تحول كل عربي فلسطيني إلى مشبوه أو سيقوم بعملية فدائية ، كما أدت الانتفاضة إلى تعميق الأزمة في إسرائيل ، بما تقدمه وسائل الإعلام من تحذيرات عن عمليات تفجيرية ، هذه التحذيرات تتغلغل في نفوس الناس ، وتؤثر على مجرى حياتهم ، كذلك في تصريحات السياسيين الإسرائيليين التي تصف كل مواطن إسرائيلي بأنه مستهدف ويجب الحفاظ على حياته ، لأنهم يصفون الوضع بأنه ( حالة حرب ) .[85]
وأضحى هؤلاء المراسلون يتنافسون فيما بينهم لإظهار عدائهم للشعب الفلسطيني ، ويتجاهلون في تقاريرهم الحديث عن القصف الإسرائيلي ، وكما قال أحد المحللين ، لو أن الأمر تعلق ببعض الصحفيين والإعلاميين لكانت إسرائيل قد أطلقت منذ زمن بعيد الصواريخ ذات الرؤوس النووية على الدهيشة ورام الله ، لأن هؤلاء المراسلين يمثلون دورا تحريضيا ، وبدا انعطافهم واضحا نحو اليمين ، وخلقوا إعلاما متعطشا للدم لا مثيل له من قبل .[86]
لقد تجاوز الأمر كل حدود حين أصدر مدير عام سلطة البث قرارا باستخدام عبارة ( قواتنا ) في الإشارة إلى جنود الاحتلال في الأراضي الفلسطينية ، مثلا : أطلق فلسطينيون النار اليوم على موقع للجيش ، لم يصب أحد من قواتنا بأذى ! قواتنا أطلقت النار على متظاهرين فلسطينيين ![87]
لقد وجد هؤلاء الإعلاميون فرصتهم السانحة في اندلاع الانتفاضة ، لإعادة نزع الصدأ عن نظريات واستراتيجيات إعلامية صاغها وعمل حسبها الكثير من مصممي الرأي العام من أصحاب الميول اليمينية ، فغداة انطلاق الانتفاضة كانت معظم التعليقات الإعلامية والصحفية من هذا القبيل : لقد صدقنا ، هذا ما قلناه لكم ، هذا ما حذرناكم منه ، العرب لا يفهمون إلا لغة القوة .[88]
وبالتالي وجد الصحافيون والمراسلون الإسرائيليون أنفسهم شركاء في الأيديولوجيا الصهيونية ، وليسوا مهنيين ، ولذلك فهم يبتعدون عن صيغ معينة في نقد المؤسسات أو الأعمال العسكرية الإسرائيلية .
وبدأوا منذ انطلاق الانتفاضة ، يطلقون لأنفسهم العنان على شاشات التلفزة الإسرائيلية ، ويصولون ويجولون ، ليصبح الواحد فيهم المصدر الأول للمعلومات ، فيكفي أن يكشف عن اسم فلسطيني ليصبح أهم وأخطر شخص مطلوب للسلطات الإسرائيلية ، ويكفي أن يكشف عن وجود جسم ما حتى يصبح الجسم والتنظيم الأهم .
ليس ذلك فحسب ، بل جاهر هؤلاء الصحافيون بعدائهم للشعب الفلسطيني لدرجة تحريض الجيش عليهم ، ومن ذلك :
- دعا المحلل العسكري رون بن يشاي بعاطفة جياشة الجيش الإسرائيلي للقيام بهجمات واستخدام مختلف أنواع الأسلحة للرد على الفلسطينيين ، وقال : يجب أن نفهم عرفات ونظامه ، هم أعداؤنا ، ويجب أن نضربهم بشكل منتظم ودقيق حتى يطلبوا وقف إطلاق النار ![89]
- المحلل السياسي شلوم يروشالمي قال بعد عملية القدس الأخيرة ، أن الوقت لا يسمح بجلسات عادية للحكومة ، بل الدعوة إلى اجتماع طارئ للمجلس الوزاري المصغر ، واتخاذ خطوات حاسمة للرد على الفلسطينيين ![90]
من الواضح أن هذا المحلل قد تجاوز خط عمله كصحافي ، عندما يطلب من الجيش القيام بهجمات ، وبالتالي أصبح من الصعب التمييز بين دوره كصحافي أو ناطق باسم الجيش الإسرائيلي .
-
- استثناء لا بد منه :
في المقابل ، هناك ظواهر نادرة في الإعلام الإسرائيلي ، من أشهرها المراسلة عميرة هاس والصحفي جدعون ليفي اللذان يكتبان لصحيفة هآرتس اليومية اليسارية ، ويتابعان الشؤون الفلسطينية ، وقد وجهت انتقادات للصحيفة بسبب تغطيتها للأنباء أثناء الانتفاضة ، مقابل إهمالها لأخبار المستوطنين ، واعتماد الرواية الفلسطينية ، والحديث كثيرا عن أوجه معاناة الفلسطينيين على الحواجز العسكرية ، وخاصة ظاهرة ولادة الحوامل على الحواجز ، وإطلاق الجنود النار على الفلسطينيين ، الأمر الذي أطلق عليه بعض الإسرائيليين عملا غير مهني ، وغير حيادي .
وقد انتقد عدد من المحللين العسكريين قيام بعض الصحفيين بانتقاد الممارسات العنيفة لجنود الاحتلال ضد الفلسطينيين ، متهمين إياهم بالتشهير بـ( جيش الدفاع الإسرائيلي ) ، وقد تبع هذا النقد ظاهرة عمت الإسرائيليين جميعا ، تمثلت بإلغاء الاشتراكات في جريدة هآرتس ، وذلك بسبب ميولها المؤيدة للفلسطينيين ، ونشر تقارير لا تنسجم مع الإجماع الوطني ، وكان على رأس من ألغى الاشتراك مكتب رئيس الحكومة وإذاعة صوت إسرائيل ، وكانت الانتقادات موجهة بالذات ضد مراسلي الصحيفة في الأراضي المحتلة : عميرة هاس ، وجدعون ليفي ، اللذان يتابعان الممارسات الإسرائيلية في الأرض المحتلة ، إلا أن تبرير الصحيفة جاء على النحو التالي: أن هذين الصحفيين يكتبان عن الفلسطينيين ، لأن مهمتهما الكتابة عن الفلسطينيين فقط ، وليس الحديث عن الإسرائيليين ، وهما حقا يعربان عن آرائهما ، وربما يكون من الواقع الذي يرونه هكذا حقا .[91]
هذان الصحفيان ينقلان الحدث من موقعه ، ويأخذان بعين الاعتبار الجانب الآخر ، أي الطرف الفلسطيني ، سواء كانت أقوال مسئولين أو مشاركين في الحدث ، وبشكل خاص الضحايا ، فالصحفية الوحيدة التي تنشر أسماء الشهداء الفلسطينيين ، هي عميرة هاس ، وبدلا من أن يشكل هؤلاء الصحفيون القاعدة في العمل الصحافي والإعلامي ، فإنهم يشكلون الاستثناء !!
-
- نتائج الدراسة :
إن المتابعة المكثفة لوسائل الإعلام الإسرائيلية تترك انطباع حقيقيا بأنها حادت على الأقل عن الأسس التقليدية والمتعارف عليها في الأعراف الصحفية والإعلامية ، وقد تجلى ذلك بصورة واضحة خلال الصفحات السابقة ، ومع ذلك فلا بأس من إيراد عدد من النتائج الهامة التي خلصت إليها الدراسة ، ومن أهمها :
- رغم الإمكانيات الهائلة المتاحة لوسائل الإعلام الإسرائيلية ، ورغم مساحات المناورة الشاسعة الممنوحة لها – نظريا على الأقل- فإنها تراجعت في أدائها لمهامها إلى درجة صحافة مجندة أحادية الجانب ، لم تكتف بتزويد متلقي هذه الوسائل بمستجدات الأمور والأحداث المتلاحقة خلال الانتفاضة ، بل لجأت إلى التهويل تارة ، وإلى التستر تارة أخرى ، وبدلا من أن تحاول إيجاد رأي عام من خلال عرض تعددي لوجهات النظر ، أخذت على عاتقها من خلال حفنة ضئيلة من رجال الإعلام المدعين لمعرفة واسعة في الشؤون الفلسطينية والعربية ، تعبئة الرأي العام الإسرائيلي ، من خلال التهويل وعدم الدقة والتحامل والتحريض .
- كان المراسلون العسكريون والمحللون للشؤون العربية والناطقين بلسان الجيش والحكومة ، هم أبطال وسائل الإعلام الإسرائيلية خلال الانتفاضة ، الذين أتقنوا عرض وجهة النظر الرسمية الإسرائيلية لما يحدث ، وفي بعض الأحيان لا تستطيع أن تميز إن كان المراسل ناطقا بلسان السلطة ، أو الناطق بلسان السلطة هو المراسل .
- لم يكن هناك توازن معقول ومقبول بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ، في المقابلات ونقل المواقف ، وقد برز ذلك ليس فقط في قلة عدد الفلسطينيين الذين قوبلوا في التقارير الصحفية والإعلامية ، بل في التوجه العدائي والاستفزازي والاستعلائي للصحفيين الإسرائيليين .
- تبني مواقف الحكومة وعدم الميل لانتقادها ، على غير عادتها في تغطية جملة سياسات الحكومة ونهجها في القضايا الداخلية ( الشؤون الاقتصادية والسياسية والتعليمية ... إلخ ) وانتقادها وتحليلها لكل صغيرة وكبيرة في هذه المجالات ، لم نجد لدى هذه الوسائل أثناء الانتفاضة ميلا نقديا وتحليليا واضحا يشيد بإنجازاتها أو يؤكد على تقصيرها .
- لعبت وسائل الإعلام الإسرائيلية دورا تعبويا تميل إلى التصرف كامتداد للمؤسسة السياسية اليهودية ، وبالتالي الاصطفاف إلى جانب المؤسسة العسكرية والأمنية ، ومن ذلك أن الجندي الإسرائيلي هو المهاجم والمعتدى عليه دائما ، والقصف الإسرائيلي وإطلاق النار على الفلسطينيين هو دفاع عن النفس ورد على اعتداءات .
- أصبح الضحايا الفلسطينيون في معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية مجرد أرقام ، لا أسماء لهم ولا أهل لهم ولا أمهات ، والخسائر المادية والضرار ليس لها أي قيمة ، والبيوت التي تقصف هي ثكنات لمنظمات المقاومة الفلسطينية ، وليس لها أصحاب ولا يسكنها عائلات وأطفال .
- مالت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى استخدام مصطلحات وتعابير انتقائية ، وتحولت إلى جزء من عملية تصوير وضعية إسرائيل والإسرائيليين بكونهم ضحايا إلى نهاية العالم ، وتصوير الطرف الآخر ( الفلسطيني ) بكونه السلبي والمجرم والمذنب والمسئول عن كل ما يجري في العالم ، كما أن استخدام هذه المصطلحات فيه ميل نحو إظهار التعالي والتفوق الإسرائيليين في ميادين متنوعة ، وخاصة التكنولوجية والعسكرية والأمنية .
- استخدمت وسائل الإعلام الإسرائيلية نفس الأوصاف والعبارات التي تصدر عن المصادر العسكرية ، وبعضها تتعمد توصيل معلومات خاطئة بهدف تلبية احتياجات معينة للجيش الإسرائيلي ، وعندما تلتقي المؤسستان ، العسكرية والإعلامية ، معا ضد هدف محدد ، فلا يحدث أي خلاف بينهما ، وهذا بالضبط ما هو حاصل في إسرائيل منذ اندلاع انتفاضة الأقصى .
- قبلت وسائل الإعلام دون أي تشكيك بمقولات الجيش الإسرائيلي حول الانضباط وعدم تهوره في الرد على العنف الفلسطيني ، وأن ما يقوم به هو الحد الأدنى مما يتطلب القيام به ، ولم تر أي غضاضة في أن عدد ضحايا القصف والقتل بلغ عدة آلاف ، وأن شعبا بأسره محاصر بشكل خانق ، وقبلت كل ذلك دون أي استئناف ، معتبرة إياه انضباطا من الحكومة والجيش .
- تجاهلت وسائل الإعلام الإسرائيلية بشكل بارز معظم النشاطات والفعاليات الاحتجاجية الكثيرة ضد الاحتلال ، والاجتماعات والمسيرات التي تأخذ الطابع السلمي والخطابي داخل فلسطين المحتلة عام 48، وتندد بالاحتلال وتدعم الحق الفلسطيني .
[1] ) هيكلية الإعلام الإسرائيلي ، ص8 .
2) الموسوعة اليهودية ، ص134 .
3) ورقة عمل حول أولويات الإعلام الإسرائيلي ، المشهد الإسرائيلي ، العدد 25 ، ص2 .
4) كبها ، مصطفى ، وسائل الإعلام العبرية ودورها في الانتفاضة ، قضايا إسرائيلية ، العدد 4 ، ص120 .
5) السعدي ، غازي ، الإعلام الإسرائيلي ، دار الجليل للنشر ، عمان ، ط1 ، 1987 ، ص22 .
6) الإعلام الإسرائيلي والقضية الفلسطينية ، مكتب الخدمات الصحفية الفلسطيني ، القدس ، 1987 ، ص3 .
7) هيكلية الإعلام الإسرائيلي ، ص2 .
8) هيكلية الإعلام الإسرائيلي ، ص2 .
9) هآرتس ، 20/5/2001 .
10) يديعوت أحرونوت ، 23/7/2001 .
11) تابور ، روجيه ، التلفزيون الإسرائيلي باللغة العربية ، قضايا إسرائيلية ، العدد 3 ، ص114 .
12) هيكلية الإعلام الإسرائيلي ، ص3 .
13) الإعلام الإسرائيلي ، ص23 .
14) هيكلية الإعلام الإسرائيلي ، ص3 .
15) هيكلية الإعلام الإسرائيلي ، ص4 .
16) ليس هناك معيار ثابت فيما يتعلق بالتوزيع وحجم الانتشار ، وبالتالي فكما هو معروف مسألة الانتشار والشهرة هي نسبية وخاضعة للعديد من الاعتبارات المهنية والفنية وغيرها .
17) يديعوت أحرونوت 2/7/2004 .
18) أضواء على الإعلام الإسرائيلي ، ص147 .
19) هيكلية الإعلام الإسرائيلي ، ص24 .
20) الإعلام الإسرائيلي ، ص38 .
21) أضواء على الإعلام الإسرائيلي ، ص152 .
22) عنبتاوي ، منذر ، أضواء على الإعلام الإسرائيلي ، مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية ، بيروت ، ط1 ، 1968 ، ص68 .
23) الجيروزاليم بوست ، 7/10/2000 .
24) الرقيب ، ص35 .
25) التلفزيون الإسرائيلي 3/5/2001 .
26) التلفزيون الإسرائيلي 1/11/2000 .
27) الجيروزاليم بوست ، 25/10/2000 .
28) هآرتس ، 5/8/2002 .
29) يديعوت احرونوت ، 15/8/2001 .
30) غيء باخور ، حين يضربوننا في نقطة الضعف ، يديعوت أحرونوت ، 16/7/2001 .
31) منصور ، جوني ، الاصطلاحية الانتقائية في الصحف العبرية ، قضايا إسرائيلية ، العدد 9 ، ص88 .
32) يديعوت أحرونوت ، 9/7/2001 .
33) هآرتس ، 3/12/2002 .
34) الإذاعة الإسرائيلية ، 24/2/ 2004 .
35) الجيروزاليم بوست ، 27/10/2000 .
36) مكور ريشون ، 20/7/2001 .
37) يديعوت أحرونوت ، 7/5/2002 .
38) معاريف ، 20/10/2003 .
39) قضايا إسرائيلية ، العدد 9 ، ص90 .
40) عيد ، باسم ،التراشق بالكلمات : تغطية وسائل الإعلام الفلسطينية والإسرائيلية للانتفاضة ، مجلة الرقيب،القدس ، 2001 ، ص28.
41) يديعوت أحرونوت ، 3/7/2001 .
42) هآرتس ، 11/10/2000 .
43) الإذاعة الإسرائيلية ، 8/5/2001 .
44) التلفزيون الإسرائيلي ، 13/7/2001 .
45) القناة العاشرة ، 29/2/2004 .
46) هآرتس ، 7/8/2001 .
47) يديعوت أحرونوت ، 18/7/2001 .
48) أولويات الإعلام الإسرائيلي ، ص3 .
49) هآرتس ، 1/8/2001 .
50) الإعلام الصهيوني والغربي والانتفاضة ، ص42 .
51) انتفاضة الأقصى : الحرب الإعلامية ، ص25 .
52) الإعلام الإسرائيلي والقضية الفلسطينية ، ص14 .
53) معاريف 24/3/2002 .
54) قضايا إسرئيلية ، العدد 6 ، ص70 .
55) هيكلية الإعلام الإسرائيلي ، ص14 .
56) قضايا إسرائيلية ، العدد 6 ، ص70 .
57) هآرتس ، 14/8/2003 .
58) انتفاضة الأقصى : الحرب الإعلامية ، الهيئة العامة للاستعلامات ، غزة ، 2001 ، ص7 .
59) صوان ، أحمد ، الإعلام الصهيوني والغربي والانتفاضة ، مجلة الدراسات الإعلامية ، المركز العربي للدراسات الإعلامية ، القاهرة ، العدد 106، يناير ، 2002 ، ص45 .
60) بنيامين نتنياهو ، كفى لسياسة ضبط النفس حتى في مجال الإعلام ، معاريف 9/9/2001 .
61) هآرتس ، 28/10/2003 .
62) ميرون بنفنستي ، هآرتس ، 4/7/2002 .
63) التلفزيون الإسرائيلي ، 1/4/2001.
64) قناة الجزيرة ، 24/12/2000 .
65) معاريف 27/2/2003 .
66) التلفزيون الإسرائيلي ، 31/10/2000.
67) ريناوي ، خليل ، التغطية الإعلامية الإسرائيلية لانتفاضة الأقصى ، قضايا إسرائيلية ، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية ، مدار ، رام الله ، العدد 6، ربيع 2002 ، ص68 .
68) يديعوت أحرونوت ، 14/10/2002 .
69) معاريف 19/6/2002 .
70) يديعوت أحرونوت ، 226/2001 .
71) إخراس الصحافة ، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ، غزة ، أعداد متفرقة .
72) وسائل الإعلام الإسرائيلية والانتفاضة ، ص9 .
73) مركز إعلام ، تغطية الإعلام الإسرائيلي لنتائج عمل لجنة أور ، الناصرة ، 2003 ، ص3 .
74) المشهد الإسرائيلي ، العدد 45 ، 30/9/2003 ، ص2 .
75) هآرتس ، 23/12/2002 .
76) فرح ، جعفر ، خارطة الإعلام الالكتروني الإسرائيلي ، قضايا إسرائيلية ، العدد 2، ص80 .
77) هيكلية الإعلام الإسرائيلي ، ص19 .
78) هآرتس ، 5/6/1987 .
79) الإعلام الصهيوني والغربي والانتفاضة ، ص41 .
80) هآرتس ، 27/10/2000 .
81) الإعلام الإسرائيلي الموجه باللغة العربية ، صالح النعامي ، 7/12/2003 .
82) معاريف 20/2/2003 .
83) وسائل الإعلام الإسرائيلية والانتفاضة ، سلمان ناطور ، مركز إعلام ، حيفا ، 2000 ، ص6 .
84) الرقيب ، ص30 .
85) يوم دراسي حول شخصية العربي في الإعلام الإسرائيلي ، قضايا إسرائيلية ، العدد 11 ، ص101 .
86) 10/11/2000 .
87) هآرتس ، 4/1/2004 .
88) قضايا إسرائيلية ، العدد 4 ، ص123.
89) يديعوت أحرونوت ، 21/11/2000 .
90) جريدة كل الوقت ، 27/2/2004.
91) حاجي كراوس ، ما الذي يثير غضب قراء هآرتس ، معاريف 8/5/2002 .
المصدر الجامعة الإسلامية
http://site.iugaza.edu.ps/jdalou/files/2012/03/
الإعلام-الإسرائيلي-وانتفاضة-الأقصى.pdf